قوله:(وأما حقيقة ما دل عليه ذلك … ) تقدم أن صيغة الجمع في حق الله تعالى من نوع المتشابه، وهذا الاشتباه نسبي - أي: لبعض الناس - فأما من هداه الله تعالى؛ فإنه يجمع بينها وبين المحكم؛ فيعرف المراد من هذا، وهذا.
وهذه الصيغة من نصوص الصفات؛ لأنها إخبار من الله عن نفسه، فلها تأويل نعلمه، وتأويل لا نعلمه.
والتأويل الذي نعلمه؛ هو التأويل بمعنى: التفسير، والذي لا نعلمه؛ هو: ما تدل عليه هذه النصوص من حقائق أسماء الله تعالى في الواقع، وكثرة الجنود.
ونحن نعلم أن لله سبحانه جنوداً كثيرين، وعبيداً كثيرين، لكن لا نعلم مداهم، ولا نحصيهم، ولا نعلم قُوَّتهم؛ فالملائكة - مثلاً -: نعلم أنهم: ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُون (٢٧) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُون (٢٧)﴾ [الأنبياء]، ونعلم أنهم كثيرون، ولكن لا نتصور، ولا ندرك مدى هذه الكثرة، ولا مدى طاعتهم وخضوعهم وعبوديتهم لله تعالى، فهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه.
ثم وازن الشيخ ﵀ بين ورود هذه الصيغة في حق الله، كما في الآيات المتقدمة، وصدورها عن بعض الخلق، - وبينها بلا شك فرقٌ - بقوله:(بخلاف الملِك مِنْ البشر إذا قال: «قد أمرنا لك بعطاء»؛ فقد عُلم أنه هو، وأعوانه - مثل: كاتبِه، وحاجبِه، وخادمه، ونحو ذلك - أمروا به)