الثالث: أن هؤلاء ينفون صفات الكمال بمثل هذه الطريقة، واتصافُه بصفات الكمال واجبٌ ثابتٌ بالعقل والسمع؛ فيكون ذلك دليلاً على فساد هذه الطريقة.
الرابع: أن سالكي هذه الطريقة متناقضون، فكلُّ مَنْ أثبت شيئاً منهم؛ ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من الإثبات، كما أن كلَّ مَنْ نفى شيئاً منهم؛ ألزمه الآخر بما يوافقه فيه من النفي.
فمثبتةُ الصفات؛ كالحياة، والعلم، والقدرة، والكلام، والسمع، والبصر؛ إذا قالت لهم النفاة؛ كالمعتزلة:«هذا تجسيم؛ لأن هذه الصفات أعراض، والعرض لا يقوم إلا بالجسم، فإنا لا نعرف موصوفاً بالصفات إلا جسماً».
قالت لهم المثبتة:«وأنتم قد قلتم: «إنه حي، عليم، قدير»، وقلتم:«ليس بجسم»، وأنتم لا تعلمون موجوداً، حياً، عالماً، قادراً؛ إلا جسماً، فقد أثبتموه على خلاف ما علمتم، فكذلك نحن»، وقالوا لهم:«أنتم أثبتم حياً، عالماً، قادراً، بلا حياة، ولا علم، ولا قدرة، وهذا تناقض يُعلم بضرورة العقل».
ثم هؤلاء المثبتة إذا قالوا لمن أثبت أنه يرضى، ويغضب، ويحب، ويبغض، أو مَنْ وصفه بالاستواء، والنزول، والإتيان، والمجيء، أو بالوجه، واليد، ونحو ذلك؛ إذا قالوا:«هذا يقتضي التجسيم؛ لأنَّا لا نعرف ما يوصف بذلك إلا ما هو جسم».