قالت لهم المثبتة:«فأنتم قد وصفتموه بالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، وهذا هكذا؛ فإن كان هذا لا يوصف به إلا الجسم؛ فالآخر كذلك، وإنْ أمكنَ أنْ يوصفَ بأحدهما ما ليس بجسم؛ فالآخر كذلك، فالتفريق بينهما تفريق بين المتماثلين».
الوجه الثالث: أن هؤلاء النفاة من المعتزلة والأشاعرة يبنون قولهم في نفي الصفات على هذه الطريقة؛ وهي: نفي التجسيم والتحيز، ومِنَ المعلوم أنَّ إثباتَ الصفاتِ حقٌ ثابتٌ بالعقل والسمعِ، والحقُ لا يمكن أن يقوم على نفيه دليلٌ صحيح، وأيُّ دليل يقام على إبطال هذا الحق؛ فهو باطل؛ وعليه؛ فدليلُ هؤلاء على نفي صفات الكمال عن الله؛ دليلٌ باطل؛ لاستلزامه نفي الحق الثابت.
والوجه الرابع: مِنْ وجوه فساد هذه الطريقة: أن سالكيها متناقضون، والتناقضُ دليلُ الفساد، ولو كانت صحيحة؛ لم تتناقض، والكلامُ هنا مع الأشاعرةِ، والمعتزلةِ؛ فالمعتزلةُ يوافقون الأشاعرة في إثبات الأسماء، والأشاعرة يوافقون المعتزلة في نفي ما نفوه هم مِنْ الصفات.
فيقول المعتزلة للأشاعرة:«إثباتكم لما أثبتم من الصفات؛ يستلزم التجسيم؛ لأن هذه الصفاتِ أعراضٌ، والأعراضُ لا تقوم إلا بجسم؛ فإثباتها مستلزم للتجسيم، والله تعالى مُنزَّهٌ عن التجسيم».