أولاً: إن السمع خبرُ الصادقِ، والخبرُ الصادقُ: إخبارٌ بما الأمر عليه، أي: إخبارٌ عن الواقع، وهذا حقٌ في النفي والإثبات، وهذا الخبر؛ هو: الدليل على المخبَر عنه، والدليل لا ينعكس.
ومعنى أن الدليل لا ينعكس: أي: لا يلزم مِنْ عدم الدليل المعين؛ عدم المدلول؛ إذ يمكن أن يكون الشيء ثابتاً في نفس الأمر، وإن لم يرد به دليل من السمع، ما دام أنه لم يرد دليل معين على نفيه.
وكان الأصلُ في الإثبات عندكم مجرَّدَ نفي التشبيه، والفرق بين ما يُثبت وينفى؛ ورود الدليل السمعي، ومن المعلوم أن السمع - الكتاب والسنة - لم يرد بنفي كل هذه النقائص بأسمائها الخاصة؛ كالحزن، والبكاء، والجوع، ونحو ذلك.
فيلزم من جعل العمدة عنده في نفي النقائص عن الله تعالى مجيء نفيها في السمع؛ ألَّا ينفي النقائص التي لم يرد السمع بالنص على نفيها باسمها؛ بل تبقى عنده من قبيل الجائز المسكوت عنه، الذي لا يثبت، ولا ينفى.
فلا تُنفى؛ لأن السمع لم يرد بنفيها، ولا تثبت؛ لأن السمع لم يرد بإثباتها.
والحق: أن هذه النقائص ممَّا يجب تنزيه الله تعالى عنه، ولو لم يرد نص خاص بكلٍّ منها؛ بل هي من الأمور الممتنعة على الله تعالى عقلاً وشرعاً، كما يدل عليه «المثل الأعلى»(١).