للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تقدم أن ما يُنفى عنه يُنفى لتضمن النفي الإثبات، إذ مجرد النفي لا مدح فيه ولا كمال (١)، فإن المعدوم يوصف بالنفي، والمعدوم لا يشبه الموجود، وليس هذا مدحاً له؛ لأن مشابهةَ الناقصِ في صفاتِ النقصِ؛ نقصٌ مطلقٌ، كما أن مماثلةَ المخلوقِ في شيءٍ من الصفاتِ؛ تمثيلٌ وتشبيهٌ، يُنزه عنه الرب .

والنقصُ ضدُّ الكمال، وذلك مثل أنه قد عُلم أنه حيٌّ، والموت ضد ذلك؛ فهو مُنزَّهٌ عنه، وكذلك النَّوم والسِّنة ضد كمال الحياة؛ فإن النومَ أخو الموت، وكذلك اللُّغُوب نقصٌ في القدرة والقوةِ، والأكلُ والشرب ونحو ذلك من الأمور؛ فيه افتقار إلى موجود غيره.

كما أن الاستعانة بالغير، والاعتضاد به، ونحو ذلك؛ يتضمن الافتقار إليه، والاحتياج إليه، وكلُّ مَنْ يحتاج إلى مَنْ يحملُه أو يعينُه على قيام ذاته أو أفعاله؛ فهو مفتقر إليه ليس مستغنياً بنفسه، فكيف مَنْ يأكل ويشرب؟! والآكلُ والشارب أجوفُ، والمُصْمَتُ الصمدُ أكملُ مِنْ الآكلِ الشارب، ولهذا كانت الملائكةُ صمداً لا تأكل ولا تشرب.

وقد تقدم أن كلَّ كمال ثبت لمخلوق؛ فالخالق أَوْلى به، وكلَّ نقص تنزه عنه مخلوق؛ فالخالق أولى بتنزيهه عن ذلك (٢).


(١) ص ٢٦١.
(٢) ص ٢٣٦.

<<  <   >  >>