والسمعُ قد نفى ذلك في غير موضع؛ كقوله: ﴿اللَّهُ الصَّمَد (٢)﴾ [الإخلاص]، والصمد: الذي لا جوف له، ولا يأكل، ولا يشرب. وهذه السورة هي نَسب الرحمن، وهي الأصل في هذا الباب. وقال في حق المسيح وأمه: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾ [المائدة: ٧٥]؛ فجعل ذلك دليلاً على نفي الألوهية؛ فدل ذلك على تنزيهه عن ذلك بطريق الأَوْلَى والأَحْرَى.
والكبد والطِّحال ونحو ذلك، هي أعضاء الأكل والشرب، فالغنيُّ المنزَّه عن ذلك منزهٌ عن آلات ذلك، بخلاف اليد؛ فإنها للعمل والفعل، وهو ﷾ موصوفٌ بالعمل والفعل؛ إذ ذلك من صفات الكمال، فمَن يقدر أن يفعل؛ أكملُ ممَّن لا يقدر على الفعل.
هذا كله في بيان دلالة النصوص على تنزيه الله تعالى عن النقائص وملزوماتها، فإثبات صفات الكمال؛ يستلزم نفي النقائص، ونفيُ النقائص؛ مستلزمٌ لإثبات صفات الكمال.
فالسمع جاء بإثبات جملةٍ من أسماء الله الحسنى، وصفات الكمالِ، وكلُّ ما يضاد ذلك؛ فالسمع ينفيه؛ لأن ضدَّ ذلك النقصُ.