للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما ينفي السمعُ كلَّ ما فيه مماثلته تعالى لخلقه، ومن المقرر عقلاً: أن إثباتَ الشيءِ نفيٌ لضده، ولما يستلزم ضده، ونفيُ الشيءِ إثباتٌ لضده.

فمجرد النفي لا كمال فيه ولا مدح، فإن المعدومَ يوصف بالنفيِ، والمعدومُ لا يشبه الموجود، ونفيُ الصفات عن المعدوم لا مدح فيه، فالنفيُ المجردُ لا مدح فيه؛ لأن فيه تشبيهاً بالناقصات، ومشابهةُ الناقصِ في صفات النقص؛ نقصٌ، كما أن مماثلةَ المخلوقِ في شيء مِنْ الصفاتِ؛ تمثيلٌ وتشبيهٌ يتنزه عنه الرب .

فنفيُ النقصِ عن الله تعالى مستلزمٌ لإثباتِ كمالِ ضده، فهو منزهٌ عن كلِّ ما ينافي كماله، فإذا كان موصوفاً بالحياة؛ فهو منزه عمَّا يضادها من الموت، أو يضاد كمالها من النوم والسِّنة.

ونفي اللُّغُوب وما يستلزمه، يستلزم إثبات كمال القدرة والقوة، وهو منزه عن الأكل والشرب، ونحو ذلك ممَّا فيه افتقار إلى الغير، واحتياج إليه في إعانته على قيام ذاته وأفعاله، فكلُّ ذلك منفيٌ عن الله تعالى؛ لمنافاته كمال غناه.

كما يُنفى الأكل والشرب عن الله تعالى لمعنى آخرَ أيضاً؛ وهو استلزامه للجوف، فالآكلُ والشاربُ أجوفُ، واللهُ تعالى صمدٌ، كما قال سبحانه: ﴿اللَّهُ الصَّمَد (٢)﴾، ومما فُسِّر به الصمد: (أنه الذي لا جوف له، ولا يأكل، ولا يشرب) (١).


(١) تقدم في ص ٨٤.

<<  <   >  >>