كما أشار الشيخ إلى دليل ثالث لمنع الأكل والشرب عن الله تعالى؛ وهو: أنه لما كانت الملائكة صمداً، مستغنية عن الأكل والشرب، وهذا كمال في حقها لا نقص فيه؛ فمِن باب قياس الأولى: أن يكون الله تعالى أَوْلَى بهذا الكمال؛ فهو أولى بأن يكون مستغنياً عن الأكل والشرب، غير مفتقرٍ ولا محتاجٍ إليه.
فكلُّ كمال ثبت للمخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه؛ فالخالقُ أولى به.
ومن أدلة نفي الأكل عن الله تعالى، أنه تعالى جعله دليلاً على نفي الألوهية في رده على النصارى، الذين اتخذوا المسيح وأُمه إلهينِ، فقال تعالى: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾.
ووجه ذلك: أن الأكلَ يستلزمُ الافتقارَ، والافتقارُ نقصٌ ينافي الإلهية، فلو كان الله تعالى يأكل ويشرب؛ لما كان في هذا دليل على بطلان إلهية المسيح وأمه، وإذا كان اللهُ تعالى منزهاً عن الأكل والشرب؛ فهو منزه عن آلاته وأعضائه؛ كالكبد، والطحال، ونحو ذلك، فثبت تنزهه سبحانه عن الأكل والشرب: سمعاً، وعقلاً.
ثم يقرر الشيخ أن هذا بخلاف صفة اليد لله؛ فإنها للعمل والفعل، فهي ممَّا يكون به العمل والفعل، والله تعالى موصوف بذلك؛ إذ ذلك من صفات الكمال، فمَن يقدر أن يفعل؛ أكمل ممن لا يقدر أن