للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحقُّ: أن النسخَ مَرَدُّه: الحِكْمَةُ، فالله تعالى يشرع لعباده في كل وقت ما تقتضيه حكمته (١).

ومن قضايا النسخ في الشريعة الإسلامية: نسخُ القبلة، حيث كان التوجه في البداية للصخرة، وبعد ستة عشر - أو: سبعة عشر - شهراً من الهجرة؛ نسخ ذلك إلى استقبال الكعبة، ولما بلغ بعض الصحابة النسخ وهم يصلون إلى بيت المقدس؛ استداروا إلى الكعبة، وحولوا وجوههم إليها (٢)؛ امتثالاً وطاعة لأمر الله تعالى، فهم مطيعون لله تعالى في الحالين، ومستسلمون لأمره في الجهتين والوقتين والفعلين، وكل ذلك من الدين.

فاستقبال بيت المقدس في الصلاة يوم كان مشروعاً؛ هو من الدين، أما بعد النسخ؛ فليس استقباله من الدين، وإنما يدخل في الدين؛ الإيمانُ بأنه كان مشروعاً؛ فنسخ.

واختلاف شرائع الأنبياء لا يمنع أن يكون دينُهم واحداً، كما أن شريعة النبي الواحد قد تختلف من وقت لآخر بالنسخ ولا يخرجها ذلك عن وحَدة الدين؛ لأن الدين هو طاعة الله تعالى في كل وقت بحسب ما أمر به في ذلك الوقت، والعبد في الفعلين والوقتين مطيع لله، عابد له، مستسلم له (٣).


(١) «الناسخ والمنسوخ في كتاب الله» ١/ ٤٤١، «إغاثة اللهفان» ٢/ ٣٤٦، و «شرح مختصر الروضة» ٢/ ٢٦٤، و «البرهان في علوم القرآن» ٢/ ١٦٠، و «الإتقان في علوم القرآن» ٣/ ٦٠، و «شرح الكوكب المنير» ٣/ ٥٣٦.
(٢) رواه البخاري (٤٠)، ومسلم (٥٢٥) من حديث البراء بن عازب .
(٣) «اقتضاء الصراط المستقيم» ٢/ ٣٧٨، و «قاعدة في توحد الملة واختلاف الشرائع» ص ١٠٦.

<<  <   >  >>