فإن الأمم الكافرة، وإن عاشت ما عاشت، ومُتِّعَت بما متعت به؛ فحياتها مليئة بالنغص، ومآلها إلى جحيم وشقاء، وبقدر بُعْد الناس عن شرع الله تعالى؛ يكون شقاؤهم، وبقدر تمسكهم بشرع الله؛ تكون سعادتهم.
وإن أُريد أنه لا بدَّ لهم مِنْ شرعٍ ونظام - وإن كان مِنْ وضع البشر - ينظم حياتهم؛ فإنه يحصل لهم مِنْ استقامة العيش بحسب ما فيه.
وكل ما عند الأمم الكافرة مِنْ أنظمة صالحة تتضمن إقامة عدل، وإيصال حق، ومنع ظلم؛ فإنه موجَب شرع الله، وقد يكون مأخوذاً من شرع الله؛ فإنهم قد يأخذون من شرع الله ما لا يتعارض مع أهوائهم.
والأفعال النافعة والضارة منها ما يعرف بالفطرة؛ كما يعرف الانتفاع بالأكل والشرب، ومنها ما يعرف بالتجربة والعقل، والاستدلال والدراسة؛ كسائر الصناعات.
ومنها ما لا يعرف إلا بالشرع؛ كالطاعات، والمعاصي، ومعرفة ما يحبه الله ويرضاه وما يسخطه.
وجاء الشرع أيضاً بتأكيد ما عُلم بالفطرة أيضاً؛ كما قال تعالى: ﴿يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأعراف: ٣١]، فلا يجوز للإنسان أن يأكل أو يشرب إلى حد السَّرَف المضر، كما لا يجوز أن يترك من الأكل والشرب ما يضر به، حتى الصيام إن كان يضر به؛ كالمريض، فإن عليه أن يأكل ويشرب، ويدع الصيام.