ولا بُدَّ - أيضاً - من اعتقاد تفرده بمالَه من الأسماء والصفات، فلا شريك له ولا شبيه؛ وهذا هو:«توحيد الأسماء والصفات».
كما أنه لا بُدَّ من الإيمان بتفرده باستحقاق الإلهية، وتخصيصه مع ذلك بالعبادة، وذلك بعبادته وحده لا شريك له، وهذا هو:«توحيد الإلهية»، أو:«توحيد العبادة»، فلا بدَّ من توحيده تعالى في ربوبيته، وإلهيته، وأسمائه وصفاته.
والمشركون الذين واجهتهم الرسل - عليهم الصلاة والسلام - بالدعوة كانوا مشركين في «العبادة»، أو «الإلهية»، أما في «الربوبية»؛ فلم يكونوا مشركين، ومن أجل ذلك قال العلماء:«إن التوحيد الذي فيه الخصومة بين الرسل والكفار من أُمَمِهم؛ هو: توحيد العبادة»(١)؛ ولهذا كلُّ رسول كان يقول لقومه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩]؛ لأنهم كانوا مقرين بربوبية الله تعالى في الجملة، كما قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: ٢٥]، وقال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: ٨٧].
ولهذا احتج الله ﷾ عليهم فيما أنكروه بما أقروا به، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون (٢١)﴾ الآية [البقرة]، وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُم مِنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُون (٣١)﴾ [يونس].
(١) «مجموع الفتاوى» ٣/ ١٠١، و «درء التعارض» ١/ ٢٦٦، و «تيسير العزيز الحميد» ١/ ١٦٣.