للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (٤٤) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (٤٦) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (٤٧) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (٤٨) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (٤٩) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (٥٠) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (٥٢) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (٥٣) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (٥٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (٥٥)﴾.

يقول تعالى: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢)﴾ أي: المعاد يوم القيامة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا مسلم بن خالد، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قام فينا معاذ بن جبل فقال: يا بني أود إني رسول رسول الله إليكم، تعلمون أن المعاد إلى الله إلى الجنة أو النار (١).

وذكر البغوي من رواية أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبي بن كعب، عن النبي في قوله: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢)﴾ قال: لا فكرة في الربِّ (٢).

قال البغوي: وهذا مثل ما روي عن أبي هريرة مرفوعًا: "تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنه لا تحيط به الفكرة" (٣) وكذا أورده وليس بمحفوظ بهذا اللفظ، وإنما الذي في الصحيح "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغ أحدكم ذلك فليستعذ بالله ولينته".

وفي الحديث الآخر الذي في [السنن] (٤): "تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذات الله تعالى فإن الله خلق ملكًا ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة ثلاثمائة سنة" (٥) أو كما قال.

وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣)﴾ أي: خلق في عباده الضحك والبكاء وسببهما وهما مختلفان ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (٤٤)﴾ كقوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ [الملك: ٢] ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (٤٦)﴾ كقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣٩) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (٤٠)[القيامة].

وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (٤٧)﴾ أي: كما خلق البداءة هو قادر على الإعادة وهي النشأة الأخرى يوم القيامة

﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (٤٨)﴾ أي: ملك عباده المال وجعله لهم قنية مقيمًا عندهم لا يحتاجون إلى بيعه، فهذا تمام النعمة عليم، وعلى هذا يدور كلام كثير من المفسرين، منهم أبو صالح وابن جرير وغيرهما (٦).


(١) سنده حسن.
(٢) أخرجه البغوي من طريق العباس بن زفر عن أبي جعفر الرازي به (التفسير ٤/ ٢٥٥). وسنده ضعيف لأن أبا جعفر سيئ الحفظ، وهذا الحديث لا يدخل في حكم الصحيفة المشهورة عن أبي العالية عن أُبي، ولكن يشهد له الأحاديث التالية.
(٣) المصدر السابق.
(٤) زيادة من (حم) و (مح)، وفي الأصل بياض.
(٥) صححه الألباني بلفظ: "تفكروا في ألاء الله ولا تفكروا في الله ﷿". (السلسلة الصحيحة ٤/ ٣٩٥ ح ١٧٨٨).
(٦) أخرجه الطبري بسند جيد من طريق السدي عن أبي صالح.