الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد؛
فإن كتاب "تفسير القرآن العظيم" للحافظ ابن كثير ﵀ من أحسن وأنفع كتب تفسير القرآن، وأوسعها وأكثرها تداولًا وانتشارًا، ولا يزال كتابه مقصد اهتمام للراغبين في معرفة تفسير كتاب الله تعالى بالمأثور عن السلف، من تفسير القرآن بالقرآن، وتفسيره بالسنة، وأقوال الصحابة والتابعين.
كما أن كتابه هذا يعد من المراجع المهمة في هذا العلم، وفي غيره من العلوم الأخرى، ومنزلته العلمية عند أهل العلم أعلى وأرفع من أن ينوه بها، فقد وصفه السيوطي فقال:"له في التفسير الذي لم يؤلف على نمطه" وقال الشوكاني في وصفه: "وهو من أحسن التفاسير إن لم يكن أحسنها". وقال أحمد شاكر عنه:"فإن تفسير الحافظ ابن كثير من أحسن التفاسير التي رأينا وأجودها وأدقها، بعد تفسير إمام المفسرين أبي جعفر الطبري … ".
ومما يزيد من القيمة العلمية للكتاب وأهميته منزلة مؤلفه ﵀ فهو من كبار العلماء وأحد الأئمة الحفاظ المبرِّزين. قال ابن قاضي شهبة عنه:"إسماعيل بن عمر بن كثير الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ شيخ المفسرين، عمدة المحدثين والمؤرخين مفتي المسلمين … ".
وثناء العلماء على هذا الكتاب وعلى مؤلفه أمر مشهور ومعلوم، كله يدل على جلالة هذا التفسير العظيم وعظيم قدره عند الناس.
ولذلك فقد رأت دار ابن الجوزي نشر هذا التفسير وطبعه طبعة علمية محققة ما وجدنا إلى ذلك سبيلًا، فكان أول من هيأ الله لنا لتحقيق هذا الكتاب فضيلة الشيخ أبا إسحاق الحويني -حفظه الله ورعاه- سنة ١٤١٢ هـ، فقمنا بإحضار النسخ الخطية للكتاب من مكة والقاهرة والكويت وإستنبول. ثم قام الشيخ -حفظه الله- بضبط النص وتخريج الأحاديث والآثار ودراستها والحكم عليها، وقد صدر منه جزءان، ونسأل الله تعالى أن يعينه على إتمام تحقيق الأجزاء المتبقية منه.
ثم لما رأينا أن هذا العمل سوف يستغرق وقتًا طويلًا من الشيخ للمنهج الذي سلكه في التحقيق، ولانشغاله بأعمال الدعوة أشار علينا أن نكلف من نراه من أهل العلم بتحقيق الكتاب على أن يستمر هو بعمله.