للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالتمسوها في العشر الأواخر، فإنها في وتْر إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو في آخر ليلة" (١).

وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود -وهو: أبو داود الطيالسي- حدثنا عمران القطان، عن قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال في ليلة القدر: "إنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى" (٢).

تفرد به أحمد، وإسناده لا بأس به.

وقيل: إنها تكون في آخر ليلة، لما تقدم من هذا الحديث آنفًا، ولما رواه الترمذي والنسائي، من حديث عُيَينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي بكرة، أن رسول الله قال: "في تسع يبقين، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين، أو ثلاث، أو آخر ليلة" (٣)؛ يعني: التمسوا ليلة القدر.

وقال الترمذي: حسن صحيح. وفي المسند من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي في ليلة القدر: "إنها آخر ليلة".

[[فصل]]

قال [الإمام] (٤) الشافعي في هذه الروايات: صدرت من النبي جوابًا للسائل إذا قيل له: ألتمس ليلة القدر في الليلة الفلانية؟ يقول: "نعم". وإنما ليلة القدر ليلة مُعَيَّنة: لا تنتقل. نقله الترمذي عنه بمعناه. وروي عن أبي قِلابَة أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر.

وهذا الذي حكاه عن أبي قلابة نصَّ عليه مالك، والثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، والمزني، وأبو بكر بن خُزَيمة، وغيرهم. وهو محكي عن الشافعي -نقله القاضي عنه، وهو الأشبه- والله أعلم.

وقد يستأنس لهذا القول بما ثبت في الصحيحين، عن عبد الله بن عُمر: أن رجالًا من أصحاب النبي أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان، فقال رسول الله : "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان مُتحريها فَلْيَتَحرها في السبع الأواخر" (٥).

وفيها أيضًا عن عائشة ، أن رسول الله قال: "تَحَرَّوْا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" (٦). ولفظه للبخاري.

ويحتج للشافعي أنها لا تنتقل، وأنها معينة من الشهر، بما رواه البخاري في صحيحه، عن


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه. (المسند ٣٧/ ٣٨٦، ٣٨٧ ح ٢٢٧١٣) وقال محققوه: حديث حسن دون قوله: "أو في آخر ليلة" ودون قوله: "وما تأخر".
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١٦/ ٤٢٨ ح ١٠٧٣٤) قال محققوه: إسناده محتمل للتحسين.
(٣) سنن الترمذي، الصوم، باب ما جاء في ليلة القدر (ح ٧٩٤). وقال الترمذي: حسن صحيح؛ وذكره الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٦٣٦)؛ وانظر: السنن الكبرى للنسائي، الاعتكاف، باب التماس ليلة القدر لثلاث بقين من الشهر (ح ٣٤٠٣).
(٤) زيادة من (حم).
(٥) صحيح البخاري، التهجد، باب فضل من تعار من الليل فصلى (ح ١١٥٨)؛ صحيح مسلم، الصيام، باب فضل ليلة القدر (ح ١١٦٥).
(٦) صحيح البخاري، فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر .. (ح ٢٠١٧).