للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحديث؛ لأنه قد فسره بعض رواته بالجهر وهو تحسين القراءة والتحزين بها.

قال حرملة: سمعت ابن عيينة يقول: معناه: يستغني به، فقال لي الشافعي: ليس هو هكذا ولو كان هكذا لكان يتغانى، إنما هو يتحزن ويترنم به.

قال حرملة: وسمعت ابن وهب يقول: يترنم به، وهكذا نقل المزني والربيع، عن الشافعي .

وعلى هذا فتصدير البخاري الباب بقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١)[العنكبوت] فيه نظر؛ لأن هذه الآية الكريمة ذكرت ردًا على الذين سألوا آيات تدل على صدقه حيث قال: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ الآية [العنكبوت: ٥٠، ٥١] ومعنى ذلك: أولم يكفهم آية دالة على صدقك إنزالنا القرآن عليك وأنت رجل أمي؟ ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)[العنكبوت] أي: وقد جئت فيه بخبر الأولين والآخرين فأين هذا من التغني بالقرآن وهو تحسين الصوت به أو الاستغناء به عما عداه من أمور الدنيا؟ فعلى كل تقدير تصدير الباب بهذه الآية فيه نظر.

فَصْلٌ في إيراد أحاديث في معنى الباب وذكر أحكام التلاوة بالأصوات

قال أبو عبيد (١): حدثنا عبد الله بن صالح، عن قباث بن رزين، عن علي بن رباح اللخمي، عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله يومًا ونحن في المسجد نتدارس القرآن قال: "تعلموا كتاب الله واقتنوه - قال: وحسبت أنه قال: وتغنوا به - فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من المخاض من العقل".

وحدثنا عبد الله (٢) بن صالح، عن موسى بن علي، عن أبيه، عن عقبة، عن رسول الله مثل ذلك إلا أنه قال: "واقتنوه وتغنوا به" ولم يشك.


(١) في "فضائل القرآن" (ص ٢٩). وأخرجه النسائي في "فضائل القرآن" (٦٠، ٧٤)؛ وأحمد (٤/ ١٥٠، ١٥٣)؛ وأبو يعلى (ج ٣/ رقم ١٧٤٠)؛ والطبراني في "الكبير" (ج ١٨/ رقم ٨٠٠، ٨٠٢) من طرق عن قباث بن رزين، عن علي بن رباح، عن عقبة بن عامر فذكره، ورواه عن قباث: "عبد الله بن صالح، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وعبد الله بن المبارك، والليث بن سعد" وسنده جيد، وقباث وثقه بن معين وابن حبان. وقال أحمد وأبو حاتم: "لا بأس به" وتوبع كما يأتي.
(٢) أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص ٢٩).
وأخرجه النسائي في "فضائل القرآن" (٥٩)؛ والدارمي (٢/ ٣١٦)؛ وأحمد (٤/ ١٤٦)؛ وابن أبي شيبة (٢/ ٥٠٠، ١٠/ ٤٧٧)؛ وابن حبان (١٧٨٨)؛ وابن نصر في "قيام الليل" (ص ٩٧)؛ والطبراني في "الكبير" (ج ١٨/ رقم ٨٠١)؛ والبيهقي في "الشعب" (ج ٤/ رقم ١٨١٥) من طرق عن موسى بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر مثله. وسنده جيد أيضًا. وموسى بن علي فيه كلام يسير، وهو متابع كما مر آنفًا.