لقد درَّست تفسير ابن كثير مدة عشرين سنة، وفي هذه الفترة كان كثير من الزملاء الأساتذة وكثير من الطلاب الذين درّستهم في الدراسات العليا وفي كلية القرآن الكريم وكلية الحديث الشريف، يقترحون عليَّ تحقيق الكتاب والحكم على أحاديثه وآثاره، ثم ازداد هذا الاقتراح حينما نشرت كتابي "التفسير الصحيح"، كما طلب مني الشيخ الفاضل سعد الصميل مدير عام دار ابن الجوزي سنة (١٤١٥ هـ) أن أقوم بتحقيق الكتاب ولكني اعتذرت لانشغالي ببعض المهام العلمية، وفي سنة (١٤٢٦ هـ) أعاد عليَّ الاقتراح أن أُحقق التفسير بالاعتماد على نسخ خطية قديمة قيّمة حصل عليها، وأن يطبع الكتاب بطراز متميز.
ولما انتهيت من تلك المهام العلمية رأيت أن أقوم بهذه المهمة مستعينًا بالله تعالى واستجبت لذلك الطلب، وجمعت ما كتبته من التعليقات والتخريجات والدراسات حول تفسير ابن كثير، وكان من أسباب تحقيق هذا الكتاب أن الآثار الواردة فيه تبلغ ألوف الروايات لم يحكم عليها المحققون.
ومن الأسباب المهمة التي تشجع على إعادة تحقيق الكتاب وقوع بعض الأخطاء في جميع الطبعات بسبب التأثر بالطبعات السابقة، فيتكرر الخطأ في الطبعات اللاحقة بالاعتماد على الطبعات السابقة، وهذه بعض النماذج التي وقفت عليها:
١ - في تفسير سورة النساء آية [٩٥] عند قوله تعالى: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ فقد سقط تفسير ابن عباس ﵄ وهو قوله: "أهل العذر".
٢ - وكذا في تفسير قوله تعالى: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)﴾ [المائدة] فقد ذكر الحافظ رواية عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا بلفظ: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" ثم ذكر رواية أصح بلفظ: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" وفي جميع الطبعات وردت الروايتان بلفظ: "كلمة حق" وهو خطأ في الرواية الأولى وصحيح في الثانية.
٣ - وفي تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ﴾ [التوبة: ٢٤] نقل الحافظ ابن كثير عن الإمام أحمد رواية من حديث عبد الله بن عمر ﵄ وقد صُحفت في جميع الطبعات إلى: عبد الله بن عمرو.
٤ - وفي تفسير سورة التوبة آية [٣٢، ٣٣] وقع تصحيف في كل الطبعات في اسم رجل ورد باسم: ابن حذيفة فصُحف إلى: أبي حذيفة كما في (ص ٤٠) في الحاشية رقم (٤)، والرواية في المسند وردت بدون تصحيف (المسند ٣٩/ ٣٦ - ح ٢٣٨١٤).