للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتعظيمًا وتلقتهم الملائكة الخزنة بالبشارة والسلام والثناء لا كما تلقى الزبانية الكفرة بالتثريب والتأنيب، فتقديره إذا كان هذا سعدوا وطابوا وسروا وفرحوا بقدر كل ما يكون لهم فيه نعيم، وإذا حذف الجواب ههنا ذهب الذهن كل مذهب في الرجاء والأمل، ومن زعم أن الواو في قوله: ﴿وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ واو الثمانية واستدل به على أن أبواب الجنة ثمانية فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع (١)، وإنما يستفاد كون أبواب الجنة ثمانية من الأحاديث الصحيحة.

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله تعالى دُعي من أبواب الجنة وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان" فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله ما على أحد من ضرورة دُعي من أيها دُعي فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال : "نعم وأرجو أن تكون منهم" (٢). رواه البخاري ومسلم من حديث الزهري بنحوه (٣).

وفيهما من حديث أبي حازم سلمة بن دينار، عن سهل بن سعد أن رسول الله قال: "إن في الجنة ثمانية أبواب باب منها يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون" (٤).

وفي صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله : "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" (٥).

وقال الحسن بن عرفة: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن شهر بن حوشب، عن معاذ قال: قال رسول الله : "مفتاح الجنة: لا إله إلا الله" (٦).

[ذكر سعة أبواب الجنة - نسأل الله من فضله العظيم أن يجعلنا من أهلها -]

وفي الصحيحين من حديث أبي زرعة، عن أبي هريرة في حديث الشفاعة الطويل: "فيقول الله تعالى: يا محمد أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن وهم شركاء الناس في الأبواب الأُخر، والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة ما بين عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر (٧) - أو هجر ومكة - وفي رواية مكة وبُصرى (٨) " (٩).


(١) واستبعد هذا القول العلامة ابن قيم الجوزية (بدائع الفوائد ٣/ ٥٤).
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ٢٦٨)، وسنده صحيح.
(٣) صحيح البخاري، الصوم، باب الريان للصائمين (ح ١٨٩٧)، وصحيح مسلم، الزكاة، باب من جمع الصدقة وأعمال البر (ح ١٠٢٧).
(٤) صحيح البخاري، الباب السابق (ح ١٨٩٦)، وصحيح مسلم، الصيام (ح ١١٥٢).
(٥) صحيح مسلم، الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء (ح ٢٣٤).
(٦) أخرجه الإمام أحمد من طريق إسماعيل بن عياش، وضعفه محققوه للانقطاع بين شهر ومعاذ (المسند ٣٦/ ٤١٨ ح ٢٢١٠٢).
(٧) هي قرية في البحرين.
(٨) هي مدينة في سوريا.
(٩) تقدم تخريجه في تفسير سورة الإسراء آية ٧٩ في آخرها.