للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكرهون الشرب قائمًا، وإن رسول الله صنع كما صنعت، وقال: "هذا وضوء من لم يحدث" (١)، رواه البخاري في الصحيح عن آدم ببعض معناه (٢).

ومن أوجب من الشيعة مسحهما كما يمسح الخف فقد ضلّ وأضلّ، وكذا من جوز مسحهما وجوز غسلهما فقد أخطأ أيضًا، ومن نقل عن أبي جعفر بن جرير أنه أوجب غسلهما للأحاديث، وأوجب مسحهما للآية، فلم يحقق مذهبه في ذلك، فإن كلامه في تفسيره إنما يدل على أنه أراد أنه يجب دلك الرجلين من دون سائر أعضاء الوضوء، لأنهما يليان الأرض والطين وغير ذلك، فأوجب دلكهما ليذهب ما عليهما، ولكنه عبّر عن الدلك بالمسح، فاعتقد من لم يتأمل كلامه أنه أراد وجوب الجمع بين غسل الرجلين ومسحهما، فحكاه من حكاه كذلك، ولهذا يستشكله كثير من الفقهاء وهو معذور، فإنه لا معنى للجمع بين المسح والغسل، سواء تقدمه أو تأخر عليه لاندراجه فيه، وإنما أراد الرجل ما ذكرت، والله أعلم، ثم تأملت كلامه أيضًا فإذا هو يحاول الجمع بين القراءتين في قوله: ﴿بِوُجُوهِكُمْ﴾ خفضًا على المسح وهو الدلك، ونصبًا على الغسل، فأوجبهما أخذًا بالجمع بين هذه وهذه.

ذكر الأحاديث الواردة في غسل الرجلين وأنه لا بدّ منه:

قد تقدم حديث أمير المؤمنين عثمان وعلي وابن عباس ومعاوية وعبد الله بن زيد بن عاصم والمقداد بن معديكرب، أن رسول الله غسل الرجلين في وضوئه إما مرة، وإما مرتين أو ثلاثًا، على اختلاف رواياتهم، وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، أن رسول الله توضأ فغسل قدميه، ثم قال: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" (٣).

وفي الصحيحين من رواية أبي عوانة عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو قال: تخلف عنا رسول الله في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة، صلاة العصر، ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته "أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار" (٤) وكذلك هو في الصحيحين عن أبي هريرة.

وفي صحيح مسلم عن عائشة عن النبي أنه قال: "أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار" (٥). وروى الليث بن سعد عن حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، عن عبد الله بن الحارث بن جَزْءٍ أنه سمع رسول الله يقول: "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار" رواه البيهقي والحاكم (٦)، وهذا إسناد صحيح.


(١) أخرجه البيهقي بسنده ومتنه (السنن الكبرى ١/ ٧٥)، وهو حديث صحيح كما يلي.
(٢) أخرجه البخاري من طريق آدم وهو ابن أبي إياس به نحوه (الصحيح، كتاب الأشربة، باب الشرب قائمًا خ ٥٦١٦).
(٣) تقدم تخريج هذه الأحاديث في تفسير هذه الآية.
(٤) صحيح البخاري، العلم، باب من رفع صوته بالعلم (ح ٦٠)، وصحيح مسلم، الطهارة، باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما (ح ٢٤١).
(٥) صحيح مسلم، الباب السابق (ح ٢٤٢).
(٦) سنن الدارقطني ١/ ٩٥، والمستدرك ١/ ١٦٢، وصححه الحافظ ابن كثير.