للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿* سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٤٣)﴾.

[قيل: المراد بالسفهاء هنا مشركو العرب. قاله الزجاج (١).

وقيل: أحبار يهود. قاله مجاهد (٢).

وقيل: المنافقون. قاله السدي (٣).

والآية عامة في هؤلاء كلهم (٤)، والله أعلم] (٥).

قال البخاري: حدثنا أبو نُعيم، سمع زُهيرًا، عن أبي إسحاق، عن البراء أن النبي صلّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَلَ البيت، وإنه صلّى أول صلاة صلّاها صلاة العصر، وصلّى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلّى معه، [فمَّر] (٦) على أهل المسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صلّيت مع النبي قِبَلَ مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت. وكان الذي مات على القبلة قبل أن تُحَوّل قِبَلَ البيت رجالًا قُتلوا لم ندرِ ما نقول فيهم، فأنزل الله ﷿ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (٧).

انفرد به البخاري من هذا الوجه، ورواه مسلم من وجه آخر.

وقال محمد بن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كان رسول الله يصلّي نحو بيت المقدس، ويكثر النظر إلى السّماء، ينتظر أمر الله، فأنزل الله ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] فقال رجال من المسلمين: وددنا لو علمنا من مات منّا قبل أن نُصرف إلى القبلة، وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس؟ فأنزل الله ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾، وقال السفهاء من الناس، وهم أهل الكتاب: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾، فأنزل الله ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ … ﴾ إلى آخر الآية (٨).


(١) معاني القرآن ١/ ٢١٨.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وصححه الحافظ ابن حجر (الفتح ٨/ ١٧١).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٤) وقول الحافظ ابن كثير وافقه جمع من المفسرين والمحدثين كابن عطية في المحرر الوجيز ٢/ ٢، والقرطبي في جامعه ٢/ ١٠، والرازي في تفسيره ٤/ ١٢٠٩١، والبيضاوي في تفسيره ١/ ٨٦، وابن جزي في التسهيل ١/ ٦٢.
(٥) ما بين معقوفتين سقط من (حم) و (عف) والأصل، وأُثبت من (عش) و (ح).
(٦) في الأصل بلفظ: "يمر" والتصويب من رواية الصحيح وبقية النسخ.
(٧) أخرجه البخاري، الصحيح، التفسير، باب ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ … ﴾ [البقرة: ١٤٢] (ح ٤٤٨٦).
(٨) سنده حسن. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق ابن إسحاق به.