للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زواجره ﴿وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ المتصرف فينا وفيكم، المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له! ﴿وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ أي: نحن برآء منك، وأنتم برآء منا، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١)[يونس: ٤١] وقال تعالى: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٢٠)[آل عمران: ٢٠] وقال تعالى إخبارًا عن إبراهيم (١): ﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠)[الأنعام: ٨٠] وقال: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ الآية [البقرة: ٢٥٨].

وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ أي: (نحن) (٢) برآء منكم كما أنتم برآء منا، ونحن له مخلصون؛ أي: في العبادة والتوجه. ثم أنكر تعالى عليهم في دعواهم أن إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء والأسباط كانوا على ملتهم، إما اليهودية (وإما) (٣) النصرانية، فقال؛ ﴿قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ﴾ يعني: بل الله أعلم، وقد أخبر أنهم لم يكونوا هودًا ولا نصارى، كما قال تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧)﴾ الآية والتي بعدها: [آل عمران].

وقوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ قال الحسن البصري (٤): كانوا يقرؤون في كتاب الله أتاهم: إن الدين (الإسلام) (٥)، وإن محمدًا رسول الله، وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا برآء من اليهودية والنصرانية، فشهد الله بذلك، وأقروا به على أنفسهم لله، فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك.

وقوله: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (فيه) (٦) تهديد ووعيد شديد؛ أي: (أن) (٧) علمه محيط بعملكم، وسيجزيكم عليه.

ثم قال تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ أي: قد مضت ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ﴾ أي: لهم أعمالهم ولكم أعمالكم ﴿وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم، من غير متابعة منكم لهم، ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهم حتى تكونوا مثلهم منقادين لأوامر الله واتباع رسله، الذين بعثوا مبشرين ومنذرين، فإنه من كفر بنبي واحد فقد كفر بسائر الرسل، ولا سيما من كفر بسيد الأنبياء، وخاتم المرسلين ورسول رب العالمين إلى جميع الإنس والجن من سائر المكلفين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين [أبدًا دائمًا إلى يوم الدين ورضي الله عن أصحابه وأصحابهم المتبعين إلى يوم الحشر واليقين] (٨).


(١) في (ل): " ".
(٢) في (ج) و (ل): "ونحن".
(٣) في (ج) و (ل): "أو". ووقع في (ن): (و).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (١٣٢٩) بسند ضعيف؛ وأخرجه ابن جرير (٢١٣٤) من وجه آخر لا بأس به بنحوه.
(٥) في (ج) و (ل): "عند الله الإسلام".
(٦) من (ج) و (ل).
(٧) ساقط من (ز) و (ض).
(٨) من (ك).