للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سُورَةُ الزّخْرُفِ وهي مكية

﴿حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (٥) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٧) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨)﴾.

يقول تعالى: ﴿حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢)﴾ أي: البيِّن الواضح الجلي المعاني والألفاظ؛ لأنه نزل بلغة العرب التي هي أفصح اللغات للتخاطب بين الناس، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ﴾ أي: أنزلناه ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ أي: بلغة العرب فصيحًا واضحًا ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي: تفهمونه وتتدبرونه، كما قال: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)[الشعراء].

وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤)﴾ بيّن شرفه في الملأ الأعلى ليشرفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض، فقال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ﴾ أي: القرآن ﴿فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾ أي: اللوح المحفوظ، قاله ابن عباس ومجاهد (١): ﴿لَدَيْنَا﴾ أي: عندنا، قاله قتادة وغيره (٢) ﴿لَعَلِيٌّ﴾ أي: ذو مكانة وشرف وفضل قاله قتادة (٣).

﴿حَكِيمٌ﴾ أي: محكم بريء من اللبس والزيغ. وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله، كما قال: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠)[الواقعة] وقال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦)[عبس] ولهذا استنبط العلماء من هاتين الآيتين أن المحدث لا يمس المصحف كما ورد به الحديث (٤) إن صح؛ لأن الملائكة يعظمون المصاحف


(١) نسبه السيوطي إلى ابن مردويه من طريق طاوس عن ابن عباس، وأخرجه بمعناه الطبري بسند صحيح من طريق عروة بن عامر عن ابن عباس .
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٣) الأثر تتمة لسابقه.
(٤) الحديث هو ما ورد في كتاب رسول الله لعمرو بن حزم إلى أهل اليمن وفيه: "أن لا يمس القرآن إلا طاهر" أخرجه الدارمي (السنن، الطلاق، باب لا طلاق قبل نكاح ٢/ ١٦١)، وأخرجه ابن حبان (الإحسان ٨/ ١٨٠ ح ٦٥٢٥) وسنده حسن وله شواهد تؤكد ثبوته.