للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المشتملة على القرآن في الملأ الأعلى، فأهل الأرض بذلك أولى وأحرى؛ لأنه نزل عليهم، وخطابه متوجه إليهم، فهم أحق أن يقابلوه بالإكرام والتعظيم، والانقياد له بالقبول والتسليم، لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤)﴾.

وقوله: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (٥)﴾ اختلف المفسرون في معناها:

فقيل: معناها: أتحسبون أن نصفح عنكم فلا نعذبكم ولم تفعلوا ما أمرتم به، قاله ابن عباس وأبو صالح ومجاهد والسدي واختاره ابن جرير (١).

وقال قتادة في قوله تعالى: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا﴾؟: والله لو أن هذا القرآن رفع حين ردته أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله تعالى عاد بعائدته ورحمته فكرره عليهم ودعاه إليهم عشرين سنة أو ما شاء الله من ذلك (٢)، وقول قتادة لطيف المعنى جدًّا، وحاصله أنه يقول في معناه: إنه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير وإلى الذكر الحكيم وهو القرآن، وإن كانوا مسرفين معرضين عنه بل أمر به ليهتدي به من قدر هدايته، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته.

ثم قال تعالى مسليًا لنبيه في تكذيب من كذبه من قومه وآمرًا له بالصبر عليهم: ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦)﴾ أي: في شيع الأولين

﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٧)﴾ أي: يكذبونه ويسخرون به.

وقوله: ﴿فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا﴾ أي: فأهلكنا المكذبين بالرسل، وقد كانوا أشد بطشًا من هؤلاء المكذبين لك يا محمد، كقوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً﴾ [غافر: ٨٢] والآيات في ذلك كثيرة جدًّا. وقوله: ﴿وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ﴾ قال مجاهد: سنتهم (٣).

وقال قتادة: عقوبتهم (٤). وقال غيرهما: عبرتهم؛ أي: جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن يصيبهم ما أصابهم، كقوله تعالى في آخر هذه السورة: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (٥٦)[الزخرف] وكقوله: ﴿سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ﴾ [غافر: ٨٥] وقال: ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦٢].


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس ويتقوى بالآثار التالية فقد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه أيضًا الطبري بسند صحيح من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح، وأخرجه أيضًا الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم كما في تغليق التعليق (٤/ ٣٠٩) كلاهما بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٣) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.