يقول تعالى: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله، العابدين معه غيره ﴿مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ أي: ليعترفن بأن الخالق لذلك هو الله وحده لا شريك له، وهم مع هذا يعبدون معه غيره من الأصنام والأنداد،
ثم قال تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ أي: فراشًا قرارًا ثابتة تسيرون عليها وتقومون وتنامون وتنصرفون، مع أنها مخلوقة على تيار الماء، لكنه أرساها بالجبال لئلا تميد هكذا ولا هكذا ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا﴾ أي: طرقًا بين الجبال والأودية ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ أي: في سيركم من بلد إلى بلد، وقطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم.
وقوله: ﴿فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ أي: أرضًا ميتة، فلما جاءهم الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ثم نبه تعالى بإحياء الأرض على إحياء الأجساد يوم المعاد بعد موتها، فقال: ﴿كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾
ثم قال: ﴿وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ أي: مما تنبت الأرض من سائر الأصناف من نبات وزروع وثمار وأزاهير وغير ذلك، ومن الحيوانات على اختلاف أجناسها وأصنافها ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ﴾ أي: السفن ﴿وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ﴾ أي: ذللها لكم وسخرها ويسرها لأكلكم لحومها وشربكم ألبانها وركوبكم ظهورها، ولهذا قال: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ﴾ أي: لتستووا متمكنين مرتفعين ﴿عَلَى ظُهُورِهِ﴾ أي: على ظهور هذا الجنس ﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ﴾ أي: فيما سخر لكم ﴿إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ أي: مقاومين، ولولا تسخير الله لنا هذا ما قدرنا عليه.
قال ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد: مقرنين؛ أي: مطيقين (١)،
﴿وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)﴾ أي: لصائرون إليه بعد مماتنا وإليه سيرنا الأكبر، وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة، كما نبه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي في قوله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: ١٩٧] وباللباس الدنيوي على الأخروي فى قوله تعالى: ﴿وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف: ٢٦].
(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وأخرجه الطبري أيضًا بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة، وأخرجه آدم والطبري أيضًا بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه الطبري أيضًا بسند حسن من طريق أسباط عن السدي، وأخرجه الطبري أيضًا بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد.