للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمدح الربُّ عبديه ورسوليه جبريل ومحمدًا (صلوات الله وسلامه عليهما) (١)، وسنستقصى الكلام على تفسير هذا المكان في موضعه إذا وصلنا إليه إن شاء الله تعالى وبه الثقةُ.

وفي الحديث فضيلة عظيمة لأم سلمة ، كما بينه مسلم لرؤيتها هذا الملك العظيم، وفضيلة -أيضًا- لدحية بن خليفة الكلبي، وذلك أن جبريل (كثيرًا) (٢) ما (كان يجيء) (٣) إلى رسول الله على (صورته) (٤)، وكان جميل الصورة ، وكان من قبيلة أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، كلهم ينسبون إلى كلب بن وبرة، وهم قبيلة من قضاعة، وقضاعة قيل إنهم من عدنان، وقيل من قحطان، وقيل بطن مستقل بنفسه، والله أعلم.

[الحديث الثالث]

حدثنا (٥) عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثنا سعيد المقبري عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال النبي : "ما من الأنبياء نبي إلا أعطى ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة".

ورواه أيضًا في "الاعتصام" عن عبد العزيز بن عبد الله. ومسلمٌ والنسائيُّ، عن قتيبة جميعًا عن الليث بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه واسمه كيسان المقبري به.

وفي هذا الحديث فضيلةٌ عظيمةٌ للقرآنِ المجيدِ على كُلِّ معجزةٍ أُعطيها نبيٌّ من الأنبياءِ وعلى كلِّ كتابٍ أنزلَهُ.

وذلكَ أنَّ مَعْنَى الحديثِ: "مَا مِنْ نبَّي إلَّا أُعْطِيَ -؛ أَيْ: مِنَ المعجزاتِ- ما آمنَ عليه البَشَرُ"؛ أي: ما كان دَليلًا على تصديقِهِ فيما جاءَهُم به واتَّبعَهُ مَنِ اتَبَعَهُ من البَشَر، ثم لما مات الأنبياءُ لم تبقَ لهم معجزةٌ بعدهم إلا ما يحكيه أتباعُهُم عما شاهدوهُ في زمانِهِ.

وأما الرسولُ الخاتَمُ للرسالةِ محمدٌ فَإِنَّما كان معظمُ ما آتاهُ الله وَحْيًا منه إليهِ منقُوْلًا إلى النَّاس بالتواتُرِ، ففي كلِّ حينٍ هو كما أُنزِلَ. فلهذا قَالَ: "فَأَرجُو أنْ أكُوْنَ أَكْثَرَهُمُ تَابِعًا" وكذلك وَقَعَ. فإنَّ أتباعَهُ أكثرُ من أتباعِ الأَنْبياء لعمومِ رسالتِهِ، ودوامِها إلى قيام السَّاعة واستمرارِ معجزتِهِ. ولهذَا قال الله (تبارك و) (٦) تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)[الفرقان] وقال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)[الإسراء].


(١) في (أ): "صلى الله وسلم عليهما".
(٢) في (أ): "كان كثيرًا".
(٣) في (أ): "يأتي".
(٤) في (أ): "على صورة دحية".
(٥) القائل هو البخاري، رحمه الله تعالى، في "صحيحه" (٩/ ٣ - فتح).
وأخرجه أيضًا "كتاب الاعتصام" (١٣/ ٢٤٧)؛ ومسلم (١٥٢/ ٢٣٩)؛ والنسائي في "التفسير" (١٤٩)؛ وفي "فضائل القرآن" (٢)؛ وأحمد (٢/ ٣٤١، ٤٥١)؛ وأبو نعيم في "الحلية" (١٠/ ٢٣٣)؛ والبيهقي في "الكبرى" (٩/ ٤)؛ وفي "الدلائل" (٧/ ١٢٩)؛ والبغوي في "شرح السنة" (١٣/ ١٩٥، ١٩٦) من طرق عن الليث بن سعد، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا.
قال أبو نعيم: "صحيح ثابت".
(٦) من (ج).