للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعدُ من قوله : "فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم"؛ لأن المراد رفعُ عِلْم وقتها عينًا. وفيه دلالة على أنها ليلة القدر يختص وقوعها بشهر رمضان من بين سائر الشهور، لا كما رُوي عن ابن مسعود ومن تابعه من علماء أهل الكوفة، من أنها توجد في جميع السنة، وترجى في جميع الشهور على السواء.

وقد ترجم أبو داود في سننه على هذا فقال: "باب بيان أن ليلة القدر في كل رمضان": حدثنا حُمَيد بن زَنْجُويه النسائي، أخبرنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، حدثني موسى بن عقبة، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عمر قال: سُئِل رسول الله وأنا أسمع عن ليلة القدر، فقال: "هي في كل رمضان" (١).

وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن أبا داود قال: رواه شعبة وسفيان، عن أبي إسحاق فأوقفاه.

وقد حكي عن أبي حنيفة ، رواية أنها ترجى في جميع شهر رمضان. وهو وجه حكاه الغزالي، واستغربه الرافعي جدًّا.

[[فصل]]

ثم قد قيل: إنها في أول ليلة من شهر رمضان، يحكى هذا عن أبي رَزِين. وقيل: إنها تقع ليلة سبع عشرة. وروى فيه أبو داود حديثًا مرفوعًا عن ابن مسعود. وروي موقوفًا عليه (٢)، وعلى زيد بن أرقم (٣)، وعثمان بن أبي العاص، وهو قول عن محمد بن إدريس الشافعي، ويحكى عن الحسن البصري. ووجهوه بأنها ليلة بدر، وكانت ليلة جمعة هي السابعة عشرة من شهر رمضان، وفي صبيحتها كانت وقعة بدر، وهو اليوم الذي قال الله تعالى فيه: ﴿يَوْمَ الْفُرْقَانِ﴾ [الأنفال: ٤١].

وقيل: ليلة تسع عشرة، يُحكى عن علي وابن مسعود أيضًا .

وقيل: ليلة إحدى وعشرين؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال: اعتكف رسولُ الله العشر الأوَل من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك. فاعتكف العشر الأوسط واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: [إن] (٤) الذي تطلب أمامك. ثم قام النبي خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان، فقال: "من كان اعتكف معي فليرجع، فإني رأيت ليلة القدر، وإني أُنسيتها، وإنها في العشر الأواخر في وِتْر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء". وكان سقف المسجد جريدًا من النخل، وما نَرى في السماء شيئًا، فجاءت قَزَعَة فَمُطرنا، فصلى بنا النبي


(١) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه ونحو تعليقه (السنن، الصلاة، باب من قال هي في كل رمضان ح ١٣٨٧) وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (ح ٢٩٦).
(٢) أخرجه أبو داود (السنن، الصلاة، باب من روى أنها ليلة سبع عشرة ح ١٣٨٤)؛ وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (ح ٢٩٥).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ٣/ ٧٦)؛ والطبراني (المعجم الكبير ٥/ ١٩٨ ح ٥٠٧٩) من طريق حوط عن زيد بن أرقم، وحوط: قال البخاري حديثه منكر. (ينظر مجمع الزوائد ٣/ ١٨١).
(٤) زيادة من (ح) و (حم).