للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من قال: لم يترك النبي إلا ما بين الدفتين]

حدثنا قتيبة (١)، حدّثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد بن معقل: أترك النبي من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين. قال: ودخلنا على محمد ابن الحنفية فسألناه، فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين.

تفرد به البخاري (٢)، ومعناه أنه ما ترك مالًا ولا شيئًا يورث عنه، كما قال عمرو (٣) بن الحارث أخو جويرية: ما ترك رسول الله دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمةً ولا شيئًا.

وفي حديث (٤) أبي الدرداء "إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذه بحظ وافر".

ولهذا قال ابن عباس: وإنما ترك ما بين الدفتين يعني القرآن، والسنة مفسرة له ومبينة وموضحة؛ أي: تابعة له، والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ الآية [فاطر ٣٢].

فالأنبياء لم يخلقوا للدنيا يجمعونها ويورثونها، وإنما خلقوا للآخرة يدعون إليها ويرغبون فيها، ولهذا قال (٥) رسول الله : " (لا نورث) (٦) ما تركنا فهو صدقة".

وكان أول من أظهر هذه المحاسن من هذا الوجه أبو بكر الصديق لما سئل ميراث رسول الله فأخبر عنه بذلك، ووافقه على نقله عنه غير واحد من الصحابة منهم عمر وعثمان وعلي والعباس وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وأبو هريرة وعائشة وغيرهم، وهذا ابن عباس يقوله أيضًا عنه ، أجمعين.

[فضل القرآن على سائر الكلام]

حدثنا هدبة بن خالد أبو خالد، حدّثنا همام، (حدّثنا قتادة) (٧)، حدّثنا أنس بن مالك، عن أبي موسى ، عن النبي : "مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها. ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل


(١) في "البخاري": "قتيبة بن سعيد".
(٢) في "فضائل القرآن" (٩/ ٦٤).
وأخرجه الإسماعيلي في "مستخرجه"، كما في "الفتح"، و"عمدة القاري" (٢٠/ ٣٧).
(٣) أخرجه البخاري (٥/ ٣٥٦ و ٦/ ٧٥، ٩٧، ٢٠٩ و ٨/ ١٤٨)؛ والنسائي (٦/ ٢٢٩)؛ والترمذي في "الشمائل" (٣٨١)؛ وأحمد (٤/ ٢٧٩) وغيرهم من طرق عن أبي إسحاق السبيعي، عن عمرو بن الحارث.
(٤) أخرجه أبو داود (٣٦٤١)؛ وابن ماجه (٢٢٣)؛ والدارمي (١/ ٨٣)؛ والبخاري في "التاريخ الكبير" (٤/ ٢/ ٣٣٧)؛ وابن حبان (٨٠) وهو حديث حسن، ووقع في إسناده اختلاف ذكرته في "التسلية" فاطلبه هناك. والله الموفق.
(٥) أخرجه مالك (٢/ ٩٩٣/ ٢٧)؛ والبخاري (٦/ ١٩٦، ١٩٧، ٧/ ٧٧، ٧٨، ٣٣٦، ٤٩٣ و ١٢/ ٥)؛ ومسلم (١٧٨٥/ ٥١ - ٥٤).
(٦) ساقط من (أ).
(٧) ساقط من (أ).