للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[فصل]

وأما الصلاة على غير الأنبياء فإن كانت على سبيل التبعية كما تقدم في الحديث اللَّهم صل على محمد وآله وأزواجه وذريته، فهذا جائز بالإجماع وإنما وقع النزاع فيما إذا أفرد غير الأنبياء بالصلاة عليهم فقال قائلون: يجوز ذلك، واحتجوا بقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ﴾ [الأحزاب: ٤٣]، وبقوله: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة: ١٥٧]، وبقوله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٣]، وبحديث عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: "اللَّهم صلِّ عليهم" فأتاه أبي بصدقته فقال: "اللَّهم صلِّ على آل أبي أوفى" أخرجاه في الصحيحين (١)، وبحديث جابر أن امرأته قالت يا رسول الله صلِّ علي وعلى زوجي، فقال: "صلى الله عليك وعلى زوجك" (٢).

قال الجمهور من العلماء: لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة لأن هذا قد صار شعارًا للأنبياء إذا ذكروا، فلا يلحق بهم غيرهم فلا يقال: قال أبو بكر صلى الله عليه أو قال علي صلى الله عليه، وإن كان المعنى صحيحًا، كما لا يقال: قال محمد ﷿، وإن كان عزيزًا جليلًا لأن هذا من شعار ذكر الله ﷿، وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسُّنَّة على الدعاء لهم، ولهذا لم يثبت شعارًا لآل أبي أوفى ولا لجابر وامرأته، وهذا مسلك حسن.

وقال آخرون: لا يجوز ذلك لأن الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار أهل الأهواء، يصلون على من يعتقدون فيهم، فلا يقتدى بهم في ذلك والله أعلم.

ثم اختلف المانعون من ذلك: هل هو من باب التحريم أو الكراهة التنزيهية أو خلاف الأولى؟ على ثلاثة أقوال، حكاه الشيخ أبو زكريا النووي في كتاب الأذكار. ثم قال: والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه لأنه شعار أهل البدع وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود. قال أصحابنا والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء، كما أن قولنا: ﷿ مخصوص بالله تعالى فكما لا يقال: محمد ﷿ وإن كان عزيزًا جليلًا لا يقال: أبو بكر أو علي صلى الله عليه (٣)، هذا لفظه بحروفه.

قال: وأما السلام؟ فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا: هو في معنى الصلاة فلا يستعمل في الغائب ولا يفرد به كير الأنبياء فلا يقال: علي وسواء في هذا الأحياء والأموات، وأما الحاضر فيخاطب به فيقال: سلام عليك، وسلام عليكم أو السلام عليك أو عليكم، وهذا مجمع عليه انتهى ما ذكره.

(قلت): وقد غلب هذا في عبارة كثيرة من النساخ للكتب أن ينفرد علي بأن يقال من دون سائر الصحابة أو كرم الله وجهه، وهذا وإن كان معناه صحيحًا، لكن ينبغي أن يسوى


(١) تقدم تخريجه في بداية تفسير هذه الآية من سورة الأحزاب.
(٢) تقدم تخريجه في بداية تفسير هذه الآية من سورة الأحزاب.
(٣) الأذكار ص ١٥٩.