للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا الحسن بن عطية، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كان رسول الله قد صلّى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان يحب أن يوجَّه نحو الكعبة، فأنزل الله: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] قال: فوجّه نحو الكعبة. وقال السفهاء من الناس، وهم اليهود: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ فأنزل الله: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (١).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أن رسول الله لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله بضعة عشر شهرًا، وكان رسول الله يحب قِبلة إبراهيم، فكان يدعو الله وينظر إلى السماء، فأنزل الله ﷿: ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٤٤] أي: نحوه، فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ فأنزل الله ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (٢).

وقد جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة، وحاصل الأمر أنه قد كان رسول الله أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس فكان بمكة يصلي بين الركنين، فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما، فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس، [قاله ابن عباس والجمهور، ثم اختلف هؤلاء هل كان الأمر به بالقرآن أو بغيره؟ على قولين، وحكى القرطبي في تفسيره عن عكرمة وأبي العالية والحسن البصري أن التوجه إلى بيت المقدس كان باجتهاده (٣). والمقصود أن التوجه إلى بيت المقدس بعد مقدمه المدينة] (٤)، واستمر الأمر على ذلك بضعة عشر شهرًا، وكان يكثر الدعاء والابتهال أن يُوجه إلى الكعبة التي هي قِبلة إبراهيم، فأُجيب إلى ذلك، وأُمر بالتوجه إلى البيت العتيق، فخطب رسول الله الناس، فأعلمهم بذلك، وكان أول صلاة صلّاها إليها: صلاة العصر، كما تقدم في الصحيحين من رواية البراء، ووقع عند النسائي من رواية أبي سعيد بن المعلّى: أنها الظهر، [وقال: كنت أنا وصاحبي أول من صلّى إلى الكعبة (٥).

وذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم أن تحويل القبلة نزل على رسول الله وقد صلّى ركعتين من الظهر، وذلك في مسجد بني سلمة، فسمي: مسجد القبلتين.

وفي حديث نويلة بنت أسلم (٦) أنهم جاءهم الخبر بذلك وهم في صلاة الظهر، قالت: فتحوّل


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره وسنده حسن.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره وسنده ثابت، وتشهد له الروايات الثلاث السابقة.
(٣) ينظر: الجامع لأحكام القرآن ٢/ ١٥٠.
(٤) ما بين معقوفين زيادة من (ح) و (حم) و (عش).
(٥) أخرجه النسائي من طريق مروان بن عثمان أن عبيد بن حُنين أخبره عن أبي سعيد بن المعلّى مطولًا (السنن الكبرى ح ١٠٩٣٧) وفي سنده: مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى ضعيف (التقريب ص ٥٢٦).
(٦) كذا في نسخة (عش)، وفي (حم): "توليه" والتصويب من الإصابة (٤/ ٤٢٠)، وأسد الغابة (٥/ ٥٥٦)، وما ورد عن ابن عبد البر ذكره من طريق جعفر بن محمود عن جدته أم أبيه نويلة بنت أسلم … فذكره (الاستيعاب ٤/ ٤١٨ في حاشية الإصابة). وأخرجه ابن مردويه من طريق إسحاق بن إدريس عن إبراهيم بن =