للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال. ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري] (١). وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني كما جاء في الصحيحين عن ابن عمر أنه قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ، فقال: إن رسول الله [قد أُنزل عليه الليلة قرآن] (٢) وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة (٣).

وفي هذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به، وإن تقدم نزوله وإبلاغه، لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء، والله أعلم.

ولما وقع هذا حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود ارتياب وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك، وقالوا: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ أي: قالوا: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا، وتارة يستقبلون كذا؟ فأنزل الله جوابهم في قوله: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ أي: الحكم والتصرف والأمر كله لله ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥] و ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ١٧٧] أي: الشأن كله في امتثال أوامر الله، فحيثما وجّهنا توجّهنا، فالطاعة في امتثال أمره، ولو وجّهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعدّدة، فنحن عبيده وفي تصرُّفه، وخدّامه حيثما وجّهنا توجّهنا، وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد وأُمته عناية عظيمة، إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم خليل الرحمن، وجعل توجُّههم إلى الكعبة المبنيّة على اسمه تعالى وحده لا شريك له، أشرف بيوت الله في الأرض إذ هي بناية إبراهيم الخليل ، ولهذا قال: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.

وقد روى الإمام أحمد عن علي بن عاصم، عن حصين بن عبد الرحمن (٤)، عن عمر بن قيس (٥)، عن عائشة قالت: قال رسول الله يعني في أهل الكتاب -: "إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها، وضلّوا عنها وعلى القبلة التي هدانا الله لها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين" (٦).


= جعفر عن أبيه عن جدته نويلة به، كما سيأتي في تفسير آية (١٤٤) من هذا التفسير المبارك. وفي سنده إسحاق بن إدريس وهو الأسوادي البصري متهم بالكذب (انظر: ميزان الاعتدال ١/ ١٨٤).
(١) ما بين معقوفين سقط من الأصل و (عف) و (ع)، وأثبت في نسخة (عش) و (حم) و (ح).
(٢) ما بين معقوفين سقط من الأصل و (عف) والمثبت من عش (حم) و (ح).
(٣) أخرجه البخاري، الصحيح، التفسير باب ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا … ﴾ [البقرة: ١٤٣] (ح ٤٤٨٨)، ومسلم، الصحيح، المساجد، باب تحويل القبلة (ح ٥٢٦).
(٤) حصين بن عبد الرحمن. كذا في مسند أحمد ٤١/ ٤٨١ (ح ٢٥٠٢٩)، والنسخ كلها إلا في الأصل فضيل بن عبد الرحمن وهو تصحيف.
(٥) عمر بن قيس. كذا في المسند (ح ٢٥٠٢٩)، وفي كل النسخ ورد بلفظ: "عمرو بن قيس" وهو تصحيف لأن عمر بن قيس ورد ذكره في المسند، وكذا ورد في ترجمته أنه روى عن محمد بن الأشعث (تهذيب الكمال ٢١/ ٤٨٥).
(٦) أخرجه الإمام أحمد (المسند ٤١/ ٤٨١ ح ٢٥٠٢٩) وسنده صحيح.