للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله ليخبرنا بليلة القدر، فَتَلاحى رجلان من المسلمين، فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فَرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة" (١).

وجه الدلالة منه: أنها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين، لما حصل لهم العلم بعينها في كل سنة، إذ لو كانت تنتقل لما علموا تَعيُّنها إلا ذلك العام فقط، اللَّهم إلا أن يقال: إنه إنما خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط.

وقوله: "فتلاحى فلان وفلان فرفعت": فيه استئناس لما يقال: إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع، وكما جاء في الحديث: "إن العبد ليُحْرَم الرزقَ بالذَّنْبِ يُصِيبه" (٢).

وقوله: "فرفعت" أي: رفع علم تَعينها لكم، لا أنها رفعت بالكلية من الوجود، كما يقوله جهلة الشيعة؛ لأنه قد قال بعد هذا: "فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة".

وقوله: "وعسى أن يكون خيرًا لكم" يعني: عدم تعينها لكم، فإنها إذا كانت مبهمة اجتهد طُلابها في ابتغائها في جميع محال رجائها، فكان أكثر للعبادة، بخلاف ما إذا علموا عينها فإنها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط. وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها، ويكون الاجتهاد في العشر الأواخر أكثر. ولهذا كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله ﷿. ثم اعتكف أزواجهُ من بعده. أخرجاه من حديث عائشة (٣).

ولهما عن ابن عمر: كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر من رمضان (٤).

وقالت عائشة: كان رسول الله إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر. أخرجاه (٥).

ولمسلم عنها: كان رسول الله يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره (٦).

وهذا معنى قولها: "وشد المئزر". وقيل: المراد بذلك: اعتزال النساء. ويحتمل أن يكون كناية عن الأمرين، لما رواه الإمام أحمد:

حدثنا [سُرَيج] (٧)، حدثنا أبو مَعْشَر، عن هشام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان


(١) صحيح البخاري، فضل ليلة القدر، باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس (ح ٢٠٢٣).
(٢) أخرجه الإمام أحمد من حديث ثوبان ، قال محققوه: حسن لغيره دون قوله: "أن الرجل ليحرم الرزق بالذنب"، وهذا إسناد ضعيف.
(٣) صحيح البخاري، الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر (ح ٢٠٢٦)؛ وصحيح مسلم، الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر (ح ١١٧٢).
(٤) صحيح البخاري، الباب السابق (ح ٢٠٢٥) والمصدر السابق (ح ١١٧١).
(٥) صحيح البخاري، فضل ليلة القدر، باب العمل في العشر الأواخر من رمضان (ح ٢٠٢٤)؛ وصحيح مسلم، الاعتكاف، باب الاجتهاد في العشر الأواخر (ح ١١٧٤).
(٦) المصدر السابق (ح ١١٧٥).
(٧) كذا في المسند (وحم)، وفي الأصل و (ح) صحف إلى: "شريح".