بأحمد باي تونس، فقبل دعوته لزيارة تلك البلاد، حيث صرف فيها بعض الوقت. ويقال، وهذا القول غير ثابت، بأنه اعتنق الإسلام في هذه الفترة وتسمى بأحمد. ومن باريس ذهب إلى إسطنبول بدعوة من السلطان، حيث أصدر، في ١٨٦٠، صحيفة «الجوائب» التي استمرت على الصدور حتى ١٨٨٣. ثم مات بعد ثلاث سنوات. طالبًا أن يدفن في لبنان. ويقال إنه عاد إلى حضن الكثلكة قبيل وفاته، مما يدل على الثبات الذي كان كامنًا تحت تقلبات حياته.
لا تنم كتابات الشدياق عن إدراك سياسي فائق ولا عن عقيدة سياسية ثابتة. ومهما كان نوع الصراع الداخلي المتجلي بوضوح في حياته وفي بعض تلميحات جاءت عرضًا في «الساق»، فقد كان اهتمامه الواضح باللغة العربية أشد من اهتمامه بأي شيء آخر. وهذا هو، بالواقع، ما حمل باي تونس، ثم السلطان، على استخدامه. فقد كانت «الجوائب» أول صحيفة عربية ذات شأن: فكانت الأولى في انتشارها حيثما كانت اللغة العربية منتشرة، والأولى أيضًا في شرح أحداث السياسة العالمية. لقد حلل الشدياق فيها، بتفصيل، مجرى الحرب الفرنسية الروسية، والأزمة الشرقية في السبعينيات، كما نشر ترجمات لوثائق دبلوماسية مهمة، وعالج المشاكل الاجتماعية بثقة من قضى سنوات في أوروبا، وقابل بين الحياة الأوروبية وبين الحياة الشرقية مفضلًا الأولى على الثانية. ذلك لأن الأوروبيون كانوا، على حد قوله، منظمين ومجتهدين ومنتجين، تجمعهم وحدة اجتماعية تعلو على الفوارق في المعتقدات، ولا يتدخل رؤساؤهم الروحيون، على الأقل في البلدان البروتستنتية، تدخلًا زائدًا في الشؤون السياسية، وتشترك نساؤهم اشتراكًا تامًا في حياة المجتمع، ويتربى أولادهم تربية حسنة خلافًا لحالة الإهمال التي يعانيها الأولاد في الشرق (٦٣). وليس من شك في أن هذا كله هو ما حمل السلطان على استخدامه سياسيًا للدفاع، خارج الإمبراطورية وداخلها، عن سياسته وعن حقه بالخلافة. وقد أثار نثره المنطلق