للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بقوة أصداء في أمكنة بعيدة، حتى أن دوتي، وقد كان يجوب أواسط الجزيرة العربية في السبعينيات، لاحظ أن «الجوائب» كانت معروفة أيضًا هناك، لا بل وجد أعدادًا منها في بعض بيوت اليمنيين القاطنين في بومباي في الهند (٦٤).

لم يكن بطرس البستاني (١٨١٩ - ١٨٨٣)، الماروني أيضًا، وأحد أبناء الجيل اللاحق، أقل تأثيرًا من الشدياق في عصره، وإن كان تأثيره من نوع آخر. نشأ البستاني في كنف عائلة أنجبت عددًا من العلماء، وتربى كالشدياق في الدير الماروني في عين ورقة حيث تلقى أصول اللغة العربية ولغات عديدة أخرى. كان أمثاله من الشباب المثقف ثقافته في ذلك الوقت لا يجدون مجالًا لمواهبهم أفضل من العمل في القنصليات أو الإرساليات الأجنبية. وهكذا اشتغل البستاني، لمدة، في القنصليتين البريطانية والأميركية في بيروت. لكنه وطد علاقته بالمرسلين الأميركيين الإنجيليين، فاعتنق مذهبهم وساعدهم على ترجمة التوراة إلى العربية، كما اشتغل بالتدريس في معاهدهم. وفي ١٨٦٣، أسس «المدرسة الوطنية» وأقامها، كما يدل اسمها، على مبدأ وطني لا ديني. وقد أعار دراسة اللغة العربية والعلوم الحديثة فيها عناية خاصة. فكان يكرس، بالواقع، معظم نشاطه لإحياء معرفة اللغة العربية وبث محبتها في القلوب. وقد أسهم قاموسه العربي «المحيط»، وموسوعته العربية «دائرة المعارف»، والنشرات الدورية التي كان يرأس تحريرها، في خلق نثر عربي حديث، صالح للتعبير البسيط الدقيق المباشر عن مفاهيم الفكر الحديث. وهكذا نشأت، على يد الحلقة المنعقدة حوله من أبنائه وأقربائه وأصدقائه وتلاميذه، القصة والرواية العربيتان الحديثتان والصحافة العربية الحديثة.

أما ما تبقى من مجهوده، فكان منصبًا على نشر الفكرة القائلة بأن الشرق الأدنى لا ينهض إلا بالاطلاع على فكر أوروبا الحديثة واكتشافاتها. لكنه لم يكن ليرضى بالتقليد الأعمى الذي لا يميز بين

<<  <   >  >>