الصالح والطالح. فالقبول بالعادات الأجنبية لمجرد كونها أجنبية كان لا يقل في نظره حماقة عن رفضها لمجرد كونها أجنبية، وهو ما كان يلمسه في طبع السوريين. فالواجب هو أن تقبل هذه العادات أو ترفض حسب قيمتها. وقد وجد، على ضوء هذه النظرة، كثيرًا مما ينتقد في العادات الأوروبية (التي عرفها فقط عن بعد)، كحرية الرجال الزائدة في تصرفهم مع النساء مثلًا (٦٥). لكنه وجد فيها أيضًا كثيرًا مما هو جميل ولا مبرر للتردد في اقتباسه. فمن «الأمور البديهية أن اختلاف أمزجة الناس والبلدان والأزمنة يوجب اختلافًا في العادات»(٦٦). وكان للعرب في الماضي مدنية عظيمة يبدي البستاني اعتزازه بها، مقتنعًا بعروبة جميع الناطقين بالضاد من مسيحيين ومسلمين. وقد أخذت أوروبا عن العرب عندما كانوا في أوج عظمتهم. ثم «سقطت رغبة العلم عن العرب»، لا من جراء انحطاط داخلي، بل نتيجة «لأحوال كثيرة وأسباب متنوعة»(٦٧). وهكذا انتقل العلم إلى أوروبا. فعلى العرب اليوم أن يستردوها منهم، وبذلك إنما يستردون ما كان لهم. نعم، لقد حصل تقدم كبير في الفترة الأخيرة، بفضل محمد علي والإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية، لكن الحاجة ماسة إلى أكثر من ذلك. ومن الخطأ الاعتقاد أن في إمكان العرب أن يعثروا في تراثهم على كل ما يحتاجون إليه لنهضتهم. لكنهم، إذا ما أرادوا أن يتعلموا، » فما مكث فيه الإفرنج السنين العديدة والمدد المديدة يمكن العرب أن يكسبوه في أقرب زمان مع غاية الإتقان والإحكام» (٦٨).
لكن ماذا يجب على الشرق الأدنى أخذه عن أوروبا؟ على هذا السؤال يجيب البستاني بقوله: إن أول ما يجب تعلمه إنما هو أهمية الوحدة الوطنية وواجب جميع الذين يعيشون في البلد الواحد أن يتعاونوا على قدم مساواة، وذلك، أولًا، بالاعتراف بأن جميع الأديان واحدة أصلًا: فكلنا، شرقيين وغربيين، «ذوو طبيعة واحدة بشرية»، وكلنا متحدرون من الأبوين الأولين، وكلنا نعبد الإله