الواحد (٦٩). كان البستاني يعبر بهذا القول عن موقف كان تبريره على ضوء العقيدة الإسلامية أسهل منه على ضوء العقيدة المسيحية، ومع ذلك فقد تبناه جميع الكتاب المسيحيين من مدرسته؛ ثانيًا، بتشجيع نمو الشعور الوطني:«فحب الوطن من الإيمان». وقد اتخذ البستاني من هذه العبارة، المنسوبة إلى النبي، والتي أكثرت من ترديدها جماعة «تركيا الفتاة»، والتي انطوت حوادث ١٨٦٠ على درس فيها، شعارًا لأشهر مجلاته. وقد أصدر، خلال احتدام الأزمة، أحد عشر جزءًا من نشرة أسماها «نفير سوريا»، احتوى كل منها نداء إلى «أبناء الوطن» بتوقيع «محب الوطن». كان البستاني يكتب كمواطن عثماني، ولم يكن في ما يقوله أي تلميح إلى رغبة منه في التخلي عن الولاء للسلطان. إلا أن دعوته كانت موجهة إلى أولئك الذين ينتمون إلى وحدة صغيرة معينة ضمن الإمبراطورية، كانت، كوحدة الطهطاوي، وحدة إقليمية. «فسوريا»، ككل، هي وطنه، إذ أن جميع سكانها مشتركون في أرض واحدة وعادات واحدة ولغة واحدة. ولعل البستاني هو أول كاتب تكلم باعتزاز عن «دمه العربي»(٧٠). ولكي تزدهر سوريا من جديد، فعلى أبنائها أن يحبوها، وأن يكونوا على علاقات ودية بعضهم مع بعض. ويعير البستاني الحرية الدينية والمساواة والاحترام المتبادل بين أبناء الأديان المختلفة اهتمامًا أكبر من اهتمام الطهطاوي وخير الدين؛ ولم يكن ذلك بسبب الظروف التي كتب فيها فحسب، بل بسبب الاتجاه الشخصي الذي اتخذه لحياته أيضًا. إذ كان قد انفصل عن الطائفة المارونية المغلقة ليعتنق البروتستنتية. ولعل هذا النفي الذاتي هو ما أوحى إليه بفكرة الانتماء إلى جماعة أكبر وأكثر اتساعًا. لكنه استمر على الكتابة، بمعنى من المعاني، كمسيحي، يخاطب مسيحيين ويناشدهم أن يحبوا أعداءهم ويتنكبوا عن روح الانتقام (٧١). غير أنه رسم خطًا فاصلًا بين نوعين مختلفين من التدين: التعصب الأعمى الذي أهلك سوريا (٧٢).