المجتمعات شرائع الإسلام تقوى، وعندما تخالفها تضعف، لأن الإسلام يأمر بالتضامن والمسؤولية المشتركة، وهما سر قوة الأمم.
إن الفضيلة والمدنية والقوة مرتبطة جوهريًا، بعضها ببعض. وهذا، في اعتقاد الأفغاني، ما يثبته تاريخ الإسلام. وتنم تآليفه عن تحسس مرهف لعظمة التاريخ الإسلامي وصغارته معًا. فهو يراه تاريخًا يبدأ بما أسبغه الله على المسلمين من نعم، وينتهي بانحطاط طويل محزن. فعندما سار المسلمون على هدى تعاليم النبي، كانت الأمة عظيمة بالمعنى الدنيوي، ولم تتوار الأمجاد فيما بعد إلا لأنهم انحرفوا عن ذلك الصراط، وباتوا لا يبالون بالله ولا يبالون ببعضهم بعضًا، فضعف التضامن فيما بينهم وخارت قواهم. ورب معترض يقول: إذا كانت تعاليم الإسلام تنسجم مع مقتضيات الرفاهية والتقدم في هذا العالم، فكيف نفسر كون البلدان اللاإسلامية اليوم هي التي تتمتع بالقوة وترتع في خيرات هذه الدنيا؟ على هذا يجيب الأفغاني بقوله: ليس ما أنجزته البلدان المسيحية ولا ما قصرت عنه البلدان الإسلامية عائدًا إلى دينها. فالشعوب المسيحية ازدادت قوة، لأن الكنيسة نشأت بين جدران الإمبراطورية الرومانية وتبنت معتقداتها وفضائلها. أما الشعوب الإسلامية فقد ازدادت ضعفًا، لأن موجات متتابعة من الضلال قد أفسدت حقيقة الإسلام. فالمسيحيون أقوياء، لأنهم ليسوا حقيقة بمسيحيين، والمسلمون ضعفاء لأنهم ليسوا حقيقة بمسلمين.