للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عن بعض المبادئ المفهومة والمقبولة لديهم. وعلى غرار ذلك، لن يقتبس المسلم روح الإسلام الحقيقية إذا اكتفى بترديد أقوال السلف.

والإسلام، أخيرًا، يعني السعي. ولعل هذا هو الأهم في ذهن الأفغاني. فهو يكرر دومًا أن موقف المسلم الحقيقي ليس الرضوخ السلبي لما قد يحدث باعتباره آتيًا مباشرة من الله، بل هو السعي المسؤول لتحقيق إرادة الله. إن القول بأن الإنسان مسؤول أمام الله عن كل أعماله، وبأنه مسؤول عن خير المجتمع، وبأن أخطاءه صادرة إذن عنه وبوسعه تجنبها، كل هذا، في نظره، مما يعلمه القرآن. وكان يردد دائمًا، كما ردد تلاميذه من بعده، هذه الآية التي توجز كل شيء: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (٥٧). فالإسلام الحق لا يعلم بأن الله هو الفاعل المباشر لكل ما يحدث. ومن الضروري التمييز بين الإيمان بالجبر وبين عقيدة الإسلام الصحيحة في القضاء والقدر. فالأول قد شاع في وقت من الأوقات في تاريخ الإسلام. إلا أنه لم يكن الاعتقاد الصائب، وقد توقف عن الانتشار. أما الثاني، وهو النظرة الأصيلة، فإنه يعني أن كل ما يحدث في العالم إنما يحدث بتسلسل العلة والمعلول وأن الله إنما هو العلة الأولى التي بها بدأت السلسلة. وما قرارات الإرادة البشرية إلا حلقات ضرورية من هذا التسلسل، وهي قرارات حرة. غير أن الله علمنا بالعقل وبواسطة الأنبياء كيف يجب أن نتخذها. إن الاعتقاد بالقضاء والقدر يعني أن الله مع من يعمل العمل الصالح. وهذا الاعتقاد لا يحمل على التقاعس بل على العمل. فلم يقم بأعظم الأعمال إلا أولئك الذين اعتقدوا بأن الله معهم (٥٨).

إن هذا القول لا يصح على السعي المبذول في سبيل كمال الإنسان وسعادته في الآخرة وحسب، بل على السعي المبذول في سبيل السعادة والفلاح في هذه الدنيا. وشرائع الإسلام هي شرائع الطبيعة البشرية أيضًا. فإذا اتبع الإنسان تعاليم الإسلام فهو إنما يطبق قوانين طبيعته نفسها. وما يصح على الفرد يصح على المجتمع أيضًا. فعندما تطيع

<<  <   >  >>