أجل سيطرته الخاصة «سحق رؤساء البيوت الرفيعة والكرام، وأخذ يرفع الأسافل ويعليهم في البلاد والقرى ... ولم يبق في البلاد إلا آلات له يستعملها»، كما منح الحماية والامتيازات لأجانب مشكوك في أخلاقهم. لقد كان حكمه قويًا، ولا شك، لكنه لم يكن قائمًا على احترام القانون. وقد أنشأ جيشًا، لكن بأساليب لم تخلق لدى الشعب المصري الفضائل العسكرية. وهو لم يشجع على الزراعة إلا ليأخذ الغلات لنفسه، جاعلًا من «البلاد المصرية جميعها إقطاعًا واحدًا على أثر إقطاعات كثيرة لغيره» .. وكان مسلمًا بالاسم فقط، ولم يقم بأي عمل من أجل الدين، لا بل جرد الجوامع والمدارس من أوقافها (٧٣).
ومن جهة أخرى، فقد بدا له أن القوميين العقائديين على خطأٍ في اعتقادهم أن للاستقلال طريقًا مختصرًا. وبقي دومًا من منتقدي «عرابي وزعماء عام ١٨٨٢ العسكريين. فقد قال في سيرة حياته إن عرابي لم يكن يخطر بباله ولا يهتف به في منامه أن يطلب إصلاح حكومة أو تغيير رئيسها ... إنما الذي أحاط بفكره وملك جميع مقاصده هو الخوف على مركزه مع شدة البغضاء لمن كان معه من أمراء الجراكسة الذين كانوا يقفون حجر عثرة في طريق تقدم الضباط المصريين». نعم، لقد تكونت لديه فكرة دعوة البرلمان للحد من سلطة الحاكم المطلقة، مع طبع حركة العصيان التي قادها بطابع الشرعية، إلا أن هذه الفكرة لم تكن سوى فكرة غامضة استقاها من الصحف ومن ترجمات كتب أوروبية أو، بتعبير محمد عبده، من «خيال لعب بعقله»(٧٤). ثم يصف كيف كان يجادل عرابي ورفاقه منبهًا إياهم إلى أن الشعب لم يكن مستعدًا بعد للحكم الذاتي، وإنه حتى لو كان مستعدًا لذلك، فمن الخطأ المطالبة بالحكم الذاتي بالضغط العسكري. إذ مهما تحقق بهذه الطريقة من كسب فلن يدوم، كما أنه قد يؤدي إلى الاحتلال الأجنبي. وفي ذلك يقول: «إنني أرى الاحتلال الأجنبي قادمًا واللعنة حالة على من كان