نهجًا جديدًا، وبالأخص إلحاحه على حق العقل في تفسير نصوص القرآن والحديث (٤). فهو يدعو إلى تفسيرها حرفيًا ما لم يتعارض هذا التفسير الحرفي صراحة مع أحد المبادئ العقلية. عندئذ يجب تفسيرها رمزيًا، إذ لا يجوز قبول أي تفسير يتناقض والدليل العقلي القاطع.
وكان بين السوريين واللبنانيين من الجيل اللاحق فريق أعدته تعاليم أمثال هؤلاء لاستساغة أفكار الأفغاني ومحمد عبده وتقبلها تقبلًا تامًا، منهم عبد القادر المغربي الذي كان، في سني حداثته، على اتصال وثيق بالأفغاني حين كان في إسطنبول؛ ومحمد كرد علي؛ والأمير شكيب أرسلان؛ ومحمد رشيد رضا. وقد دفعت الحياة بكل منهم في سبيل مختلف، فصرف كرد علي والمغربي حداثتهما في العمل الصحفي في القاهرة ودمشق، ثم انصرفا في عهد النضج إلى التعليم، فأسسا المجمع العربي في دمشق، وغدا كرد علي مؤرخ المدينة. أما شكيب أرسلان، فمع أنه لم يتخل قط عن الاهتمام بالإصلاح الإسلامي، فقد جذبته السياسات القومية العربية، كما سنرى. وأما رشيد رضا (١٨٦٥ - ١٩٢٥) فقد ثابر على السير، أكثر من سواه، في الاتجاه الذي شقه لهم محمد عبده (٥).
ولد رشيد رضا في قرية قرب طرابلس، من عائلة شبيهة بعائلة محمد عبده، من حيث أنها قروية ذات مكانة وإرث من العلم والتقوى. بدأ دراسته على النهج القديم في «الكتاب». إلا أنه استطاع، وهو من الجيل اللاحق بجيل أستاذه محمد عبده، أن يستفيد من التربية الحديثة، فاستقى شيئًا من العلوم الجديدة، وتعلم اللغة الفرنسية في مدرسة حكومية تركية ثم في مدرسة حسين الجسر في طرابلس. لكنه امتلك أيضًا ناصية الفقه واللغة العربية. وها هي كتاباته تشهد له بالعلم الراسخ من الطراز القديم.
ترك لنا رشيد رضا ما لم يكن نادرًا في العربية. كما كان يتصور، وهو سيرة لحياته يصف فيها تكونه الذهني والروحي خلال ما يقرب من الثلاثين سنة الأولى من عمره (٦)، وتظهر التأثيرات