للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكبرى التي فعلت فيه. ففي مدرسة حسين الجسر، ومن خلال كتابات صحفيي القاهرة اللبنانيين، لاحت له بعض ملامح العلم الحديث وعالم أوروبا وأميركا الجديد. وذلك بالإضافة إلى تأثره بالقدامى من العلماء المسلمين، لا سيما الغزالي في كتابه «إحياء علوم الدين»، حيث يقيم الغزالي توازنًا بين الطاعة الخارجية للشريعة وبين التقوى الشخصية الداخلية التي كان رشيد رضا، كمحمد عبده، يعلق عليها وعلى النوايا الحسنة أهمية كبرى ويعتبرها شرطًا ضروريًا لجعل الصلاة والأفعال مقبولة. إلا أن هذا التوازن قد اختل لدى الأجيال اللاحقة، فتحولت التقوى الداخلية المنضبطة بالشريعة إلى تمارين صوفية طليقة من قيود الشريعة اتخذت لنفسها طقوسًا وعقائد خاصة بها. وقد تنبه رشيد رضا إلى هذا الأمر على أثر التحاقه، تحت تأثير الغزالي، بإحدى الطرق الصوفية وممارسته الحياة الروحية على يد شيخ من مشايخها. فبعد أن اختار طريقة النقشبندي وتبع، لمدة، تعاليمها ومارس تمارينها الزهدية الصارمة، أخذ يشعر بأخطار الأنظمة الصوفية. وأخيرًا انفجرت شكوكه بعنف، في حلقة من حلقات المولويين الملقبين «بالدراويش الراقصين»، فنهض وغادر المكان غاضبًا (٧).

كانت هذه الخبرة أحد العوامل التي حملته، في السنوات اللاحقة، على التقرب من تعاليم ابن تيمية ومسالك الوهابيين، بالرغم من أنه، عندما كتب سيرة حياته، لم يكن قد تعرف بعد إلى ابن تيمية إلا من خلال كتابات أخصامه. ولم يكن يعرف شيئًا عن الوهابيين سوى رفض السنة لهم وبعض الأساطير عنهم كالتي تروي أنهم كانوا يربطون خيولهم في جامع النبي (٨). ثم تعرف إلى أفكار الأفغاني ومحمد عبده، كما اطلع على مجلة «العروة الوثقي» للمرة الأولى بين عامي ١٨٨٤ و ١٨٨٥، أي في أوائل عهد صدورها. وكذلك التقى، حوالي ذلك التاريخ، بمحمد عبده عندما زار طرابلس (٩). غير أن المجموعة الكاملة للمجلة لم تقع

<<  <   >  >>