للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بين يديه إلا بعد نحو عشر سنوات من ذلك التاريخ، أي بين عامي ١٨٩٢ و ١٨٩٣، فكان تأثيرها فيه عميقًا. وفي هذا يقول: «ثم إني رأيت في محفوظات والدي بعض نسخ الجريدة فكان كل عدد منها كسلك من الكهرباء اتصل بي فأحدث في نفسي من الهزة والانفعال والحرارة والاشتعال ما قذف بي من طور إلى طور ومن حال إلى حال ... والذي علمته من نفسي بالخبر ومن غيري بالخبر ومن التاريخ أنه لم يوجد لكلام عربي في هذا العصر ولا في قرون قبله بعض ما كان لها من إصابة موقع الوجدان من القلب والاقناع من العقل» (١٠).

وراودت رشيد رضا طويلًا فكرة الذهاب إلى إسطنبول للالتحاق بالأفغاني، لكن هذا لم يتحقق. ولم يمر زمن طويل حتى كان تأثير محمد عبده فيه قد حجب تأثير الأفغاني. ففي ١٨٩٤ كرر عبده زيارته لطرابلس. فلقيه رشيد رضا للمرة الثانية وتحدث إليه طويلًا. وغدا، منذ تلك البرهة حتى مماته، تلميذه الأمين وشارح أفكاره، وحامي سمعته، ومؤرخ حياته. إلا أننا نجد، بين تلاميذ محمد عبده الآخرين، من ألقى شكًا على ادعاء رشيد رضا خلافة محمد عبده الروحية. والواقع أن عقائد محمد عبده قد تعرضت لبعض التحوير على يده، كما سنرى فيما بعد. لكن لا يمكن الشك مطلقًا في صدق إخلاصه له. وفي ١٨٩٧، غادر سوريا إلى القاهرة. وفي السنة اللاحقة، أصدر العدد الأول من مجلة «المنار» التي أصبحت منبرًا للدعوة إلى الإصلاح وفقًا لمبادئ محمد عبده. وقد استمر على إصدارها بانتظام شبه كامل حتى وفاته في ١٩٣٥. ويمكن القول إن «المنار» كانت، منذ تأسيسها، بمثابة سجل لحياة رشيد رضا. ففيها كان يفرغ تأملاته في الحياة الروحية، وشروحه للعقيدة، ومجادلاته اللامتناهية والعنيفة في هجومها ودفاعها على السواء، وينشر الأخبار التي كانت تأتيه من أطراف العالم الإسلامي، وآراءه في سياسات العالم، وشروحه الكبرى للقرآن. وهي الشروح التي سماها «تفسير

<<  <   >  >>