قد أنزل في ذلك العصر قوله:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}، فأرشدنا به إلى مكانة المال في حياة الأمم ونظام أمرها وكونها لا تقوم إلا به ... فهل يمكن أن يقال إن مقتضى شرع هذا الدين أن يكون أهله فقراء، وأن يكون ما به قيام معاشهم وعزة أمتهم ودولتهم في أيدي الطامعين فيهم من الأمم الأخرى؟ » (٤٠).
ولعل ما يظهر بجلاء حدود ميله إلى العالم الحديث، وبالوقت نفسه مقدار تأصل جذوره في التقليد، معالجته لحقوق المرأة إسهامًا منه في الجدل الذي أثاره قاسم أمين حول هذا الموضوع. ويمكن تلخيص آرائه بهذا الشأن في ما يلي: يحق للمرأة المسلمة أن تشترك في حياة الإسلام الجماعية، كما فعلت طيلة الأيام العظمى في التاريخ الإسلامي. فإيمانها مثل إيمان الرجل نفسه، وواجباتها الدينية مثل واجباته، وكذلك واجباتها الاجتماعية بمقدار ما هي مستمدة من مبادئ الدين. فهناك إذن مساواة في الحقوق. لكن هناك أيضًا لا مساواة فعلية بسبب تفوق الرجل على المرأة في القوة والذكاء والقدرة على العلم وعلى الاضطلاع بمعظم ضروب العمل. لكن سيطرة الرجل هذه على المرأة يجب أن تمارس، على غرار سيطرة الحاكم على الدولة، لا بالاستبداد، بل بالتشاور. فعلى الرجال في هذا أن يقتدوا بالنبي الذي كان في معاملته لزوجاته مثال الرجل الكامل. لقد كان تعدد الزوجات في حقه عدلًا، إذ كان في مصلحة الجماعة. ولا شك أن تعدد الزوجات جائز دومًا إذا لم يناقض مبدأ العدل وكان من شأنه أن يؤول إلى فوائد. كذلك لا يتنافى الرق مع العدل بالضرورة، إذ أنه يقي النساء من الضرر ويمنحهن جميعًا فرصة إنجاب الأولاد، وبكلمة، إن مبدأ الشريعة الإسلامية في حق المرأة هو:
«إن الإصلاح الإسلامي المحمدي يقضي بأن يكون لكل امرأة كفيل شرعي يكفيها كل ما يهمها لتكون بنتًا مكرمة، فزوجًا