صريح في القرآن. وإذ لا يجد نصًا في القرآن بوجوب قتل كل مرتد، بل يجد، بالعكس، نصًا يحرم كل إكراه في الدين، يستنتج أن ذلك الإجماع إنما هو مخالف لمبادئ الإسلام ويجب بالتالي رفضه (٣٨).
وفيما يختص بالجهاد ضد غير المسلمين، فإنه يقر، كذلك، بوجوبه. لكنه، حرصًا على تعيين الحدود التي يكون هذا الجهاد فيها مشروعًا، يميز بين الحرب التي تستهدف نشر الإسلام، وبين الحرب التي تتوخى الدفاع عنه. فيقول إن الثاني مشروع دومًا، أما الأول فليس مشروعًا إلا إذا تعذر انتشار الإسلام سلميًا، أو إذا كان لا يسمح للمسلمين بالعيش وفقًا لشريعتهم. ويستنتج من هذا أن اللجوء إلى القوة لإكراه أهل الكتاب على اعتناق الإسلام إنما هو مناقض لمبدأ حرية الإيمان عينه (٣٩).
هذان المثلان يثبتان كيف كشف رشيد رضا عن النتائج المنطقية التي كانت مكنونة في مبادئ أستاذيه. إلا أن معالجته لبعض نواحي الحياة الاقتصادية تنم عن تحرره من التقليد تحررًا أقوى. فالشريعة الإسلامية تحرم الربى. وكان رشيد رضا مقتنعًا بأفضلية هذا النظام على أي نظام سواه. لكنه رأى أن الإسلام اليوم أمام خطر لم يجابهه يوم كانت الشريعة في إبان تكوينها، هو خطر توغل الرأسمالية الغربية وسيطرتها الاقتصادية. لذلك التجأ إلى مبدأ الضرورة الذي يقول بأن الضرورات تبيح المحظورات، والذي قد يحمل المسلمين على الانحراف عن التفسير التقليدي للشريعة وعلى بناء حياتهم الاقتصادية على الأسس التي بنت عليها الأمم الغربية اقتصادياتها، فيقول:
«إذا كان المال قوام حياة الأمم والدول في كل زمان، وصار له من الشأن في هذا الزمان ما لم يكن له من قبل، ولاسيما في عصر النبي الذي كانت فيه الأمة قليلة الحاجات، وغير مرتبطة في حياتها بمعاملات الأمم الأخرى. ولكن عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم