للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ينسب القصور إلى الشريعة أو الدين» (٣٦). غير أنه لم يقصد بهذا إلى التخلي التام عن المذاهب التقليدية الأربعة، بل إلى التقريب بينها ومزجها تدريجًا. وهو في ذلك يتذرع، كمحمد عبده، بمبدأ التلفيق، على أن يتم تطبيقه بنظام أفضل من ذي قبل. فالمبدأ ذاته لم يحرمه إجماع الفقهاء، كما أنه، بحد ذاته، لا يخالف العقل أو مبادئ الإسلام. وهو إنما يصبح غير جائز لو طبق بلا هدى وبدون تمييز. فقبول المسلم بحكم مذهب شرعي غير مذهبه قبولًا أعمى. لا يقل سوءًا عن قبوله بحكم من أحكام مذهبه قبولًا أعمى. أما إذا استعمل مبدأ التلفيق بطريقة معقولة، فإنه يغدو نوعًا من الاجتهاد ويصبح بالتالي شرعيًا بحد ذاته (٣٧).

لقد كرس رشيد رضا الكثير من تفكيره لرسم خطوط النظام الشرعي الجديد، وذلك في دراسات مستقلة خاصة بمواضيع معينة، وفي شروحه للقرآن، وعلى الأخص في فتاويه في «المنار». فقد أفرد، في كل عدد من هذه المجلة، بابًا خاصًا للإجابة على أسئلة حول قضايا تتعلق بالمبادئ الخلقية أو بالعادات. حتى ليمكن القول بأنه كاد أن لا يترك قضية خلقية واحدة تتعلق بحياة الجماعة إلا تعرض لها على نحو ما في مجلته. وسنذكر هنا، على سبيل المثال، بعض القضايا لنتبين إلى أي حد تخلى رشيد رضا عن الموقف التقليدي ليتخذ موقفًا أكثر انسجامًا مع «روح العصر». ففي قضية الارتداد مثلًا، نراه يقلع عن النظرة التقليدية القائلة بأنه من الواجب قتل المرتد من المسلمين، مميزًا بين المرتد الذي يثور ضد الإسلام ويشكل بذلك خطرًا على الأمة، وبين المرتد الذي يترك الإسلام بهدوء وبصفة شخصية فقط. فيقول بأن الأول يجب أن يقتل إذا ما قبض عليه وأما الثاني فلا. وتظهر طريقة تبريره بهذا القول المبادئ المسيرة لتفكيره. فهو يعترف، أولًا، بأن وجوب قتل المرتد يؤيده إجماع الفقهاء التام. لكنه لا يتوقف عند هذا الاعتبار، بل يتعداه إلى التساؤل إذا كان هذا الاجماع مرتكزًا إلى نص

<<  <   >  >>