للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المالية في الحكومة البريطانية. وإنه لمن الصعب علينا أن نتصور ما كان من الممكن أن يدور بينهما من أحاديث (٣٢). وكان يكره حياة الأوروبيين الاجتماعية، كما كان يشير إلى المسيحية بطريقة عدائية على العموم. وكان يعتقد أنه من الممكن لأوروبا أن تعتنق الإسلام لولا الكنيسة ورجال السياسة وانحطاط الإسلام نفسه داخليًا (٣٣). غير أنه كان يرى، بفضل حسه السليم، أن من الضروري للإسلام أن يتحدى العالم الجديد وأن يقبل بالمدنية الجديدة بالمقدار الكافي لاستعادة قوته. ولكي يبقى، كما كان دومًا، منسجمًا مع تفكيره ومنطقيًا مع نفسه، كان يبرر موقفه هذا بقوله، مستندًا إلى أحد مبادئ الإسلام، أن الجهاد لزام على المسلمين، لكنهم لا يستطيعون تأديته ما لم يصبحوا أقوياء. وهم، في هذا العالم الحديث، لا يصبحون أقوياء ما لم يقتبسوا علوم الغرب وفنونه التقنية. ولما كان الشرط اللازم للقيام بواجب هو نفسه واجب، ترتب على المسلمين دراسة علوم العالم الحديث وأساليبه (٣٤). وهو بقوله هذا إنما كان يردد صدى فكرة كان الطهطاوي وخير الدين أول من عبر عنها، وهي أن المسلمين، بقبولهم المدنية الغربية، إنما يستعيدون ما كان لهم من قبل. إذ أن أوروبا نفسها لم تتقدم إلا بفضل ما تعلمته من المسلمين في إسبانيا وفي الأراضي المقدسة (٣٥).

أمام هذه الحاجة الجديدة، لا بد للشرائع من أن تتغير تغيرًا كبيرًا لم يسبق له مثيل. وهذا التغير المنشود يجب أن لا يقتصر على تعديل المذاهب الأربعة القائمة، بل يجب أن يتعداه إلى إنشاء مذهب واحد جديد. لذلك دعا رشيد رضا علماء زمانه إلى العمل معًا في سبيل إخراج كتاب في الشرائع، قائم على القرآن والحديث، ومنسجم بالوقت نفسه مع حاجات العصر. على أن يخلو من كل التباس، ويفهمه جميع المؤمنين بسهولة، ويورد في أول كل باب من أبواب المعاملات فيه تعريفًا واضحًا يميز بين ما هو فعل إيمان قائم على النصوص وبين ما هو استنتاج عقلي. وبذلك يكون «حجة ناطقة على كل من

<<  <   >  >>