للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخوف من الحكام، أو يهملون التمييز بين ما هو جوهري وبين ما هو عرضي. وهكذا تفشى في الإسلام ذلك المرض الذي يعزوه رشيد رضا إلى الجمود حينًا، وإلى التقليد حينًا آخر، والذي تجلى في مضمار الشريعة، بالطاعة العمياء لأحد مذاهب الشرع الأربعة المقبولة. وهو يورد مثالًا على ذلك أن شيخ الإسلام، وهو أعلى مرجع قضائي في السلطنة العثمانية، قد امتنع هو ومنع المفتين التابعين له عن إصدار أي فتوى بشأن مجموعة القوانين المدنية المسماة بالمجلة. وهي تلك التي أصدرتها الحكومة العثمانية استنادًا إلى المذهب الحنفي. وما ذلك إلا لأنها اشتملت على بعض التعديلات التي افتقرت إلى ما يسندها عند مؤسس هذا المذهب.

كان رشيد رضا يرى أن الجمود والتقليد شران بحد ذاتهما، لكنه كان يعتبر خطرهما الآن أشد من ذي قبل، إذ تجابه البلدان الإسلامية اليوم مدنية جديدة تجعل حاجتها أشد إلى قوانين جديدة. وكان بين رفاق رشيد رضا من كان يرحب بمدنية أوروبا الحديثة ويعترف بما انطوت عليه بحد ذاتها من قيمة. فمحمد كرد علي، مثلًا، كان شديد الإعجاب بما شاهده خلال زياراته إلى البلدان الغربية، بحيث دعا إلى الكثير مما يمكن للعرب أن يتعلموه منها، كالإصلاح الاجتماعي، والمساواة أمام القانون، وحرية الفكر، وأهمية التضامن الوطني، وعلى الأخص، فضيلة النشاط (٣١). غير أن ما أثار رشيد رضا ليس الإعجاب بقدر ما كان الضرورة. فهو من ذلك الجيل الأخير الذي كان بإمكانه، بالرغم من ثقافته الكاملة، أن يعيش في عالم الفكر الإسلامي المكتفي بنفسه. لقد كان لأستاذه محمد عبده صلات شخصية ودية ووثيقة بعدد من الأوروبيين، وكان قد سافر أكثر من مرة إلى أوروبا. أما رشيد رضا فقد سافر مرة واحدة فقط، وذلك لغرض سياسي معين. ويبدو أنه لم يقرأ شيئًا، أو ربما قليلًا، مما كتب في اللغات الأوروبية. وكان له اتصال وثيق بأوروبي واحد، هو الفرد متشل- إنز، مساعد وكيل وزارة

<<  <   >  >>