حاجات العالم الجديدة. كما يجب أن يكون القادر، نظرًا للاحترام الذي يتمتع به، على فرض ما يتوصل إليه من نتائج على الحكومات الإسلامية. إذ أنه بينما «يتبع كل أمرئ اجتهاد نفسه أو فتوى قلبه وراحة وجدانه في الأمور الشخصية الخاصة به ... فإن اجتهاد الخليفة في المصالح العامة مرجح على اجتهاد غيره»(٤٤). وليس من وجود للإسلام الحقيقي إلا بوجود خليفة كهذا. فهو وحده قادر على العودة إلى حكم الشورى الإسلامي الحقيقي بالتشاور مع أهل الحل والعقد في الشؤون التي لم يرد بشأنها نص في القرآن أو حديث صحيح أو إجماع أو اجتهاد رسمي سابق. وهو وحده قادر على إحياء المدنية الإسلامية وتلقيحها بالعلوم والفنون التقنية الضرورية لدفع الأمة في دروب القوة والازدهار. وهو وحده قادر على أن يعيد إلى الدين نقاوته، وأن ينبذ الخرافات والبدع، وأن يقيم وحدة إسلامية تضم الشيعة والزيدية والإباضية، كما تضم السنة بمذاهبها الشرعية الأربعة (٤٥).
كانت الإمبراطورية الإسلامية لا تزال قائمة، وكان السلطان لا يزال يدعي بأنه الخليفة، طيلة النصف الأول من حياة رشيد رضا. ولم يكن رشيد رضا ورفاقه يعترضون على وجود الإمبراطورية، لا بل كانوا يعتقدون أنها ضرورية للعرب والشعوب الإسلامية، لأنها كانت وحدها قادرة على بذل القوة الضرورية لحمايتهم من الضغط الأجنبي. وكان رشيد رضا يقاوم الفكرة الناشئة إذ ذاك، والرامية إلى الاستعاضة عن الخلافة العثمانية بخلافة جديدة، معتبرًا هذه الفكرة وحيًا أجنبيًا من شأنه أن لا يخدم إلا المصالح الأجنبية (٤٦). وكان من الممكن، في رأيه، القبول بالخلافة العثمانية على أنها «خلافة بالضرورة»، مع أنها لم تكن خلافة أصيلة، إذ كان العثمانيون يفتقرون إلى أحد الشروط الجوهرية للاجتهاد، وهو معرفة اللغة العربية، أي اللغة التي بها وحدها يمكن التفكير في عقائد الإسلام وشرائعه. كما كانوا، من جهة أخرى، غير مؤهلين للاجتهاد (٤٧).