غير أن الحالة تغيرت بعد حرب ١٩١٤ - ١٩١٨. فقد وقع السلطان في البدء تحت نفوذ إنكلترا وفرنسا اللتين احتلتا إسطنبول. ثم جاء مصطفى كمال فخلعه، فبقيت قضية الخلافة تشغل المفكرين المسلمين طيلة السنوات القليلة اللاحقة. ولم يكن اهتمام رشيد رضا بالإسلام ولا نزعته الجدلية يسمحان له بالبقاء بعيدًا عن المعركة. فاشترك في الجدل الكبير الذي أثاره كتاب عبد الرازق، وهاجم هذا الكتاب بشدة على صفحات «المنار»، قائلًا إن خطر آراء عبد الرازق يكمن في إمكان استخدام أعداء الإسلام لها. فهؤلاء الأعداء يجاهدونه بالسيف، لكنهم في الأخص، يحاولون تقطيع الروابط التي ترتبط بها الشعوب الإسلامية «ليسهل جعلها طعمة للطامعين وفريسة لوحوش المستعمرين». وهم يشنون «حربًا معنوية» من شأنها أن تضعف الإسلام من الداخل. فكتاب كهذا يشكل في هذه الحرب صدمة قاسية للإسلام (٤٨).
وقد أسهم رشيد رضا أيضًا في هذا الجدل بوضع دراسة طويلة وشاملة عن الخلافة، نشرت حين أقامت الحكومة التركية الجديدة خليفة لم يكن له إلا سلطة «روحية» فقط. وفي هذه الدراسة أظهر معارضته، بخلاف سائر المسلمين، لهذا الأمر الذي لم يأخذ بعين الاعتبار الغاية من الخلافة، وهي تطبيق الشريعة، وإنما استهدف ترضية الإحساس القومي والشعور الإسلامي العام على صعيد سياسي أشبه ما يكون بالتظاهرات السياسية التي أقيمت في مصر تأييدًا لزغلول (٤٩).
وإذن، فالخلافة الأصلية ليست موجودة اليوم، ولذلك وجب إعادة بنائها. وهذا لا يتم إلا على مرحلتين: الأولى إقامة «خلافة الضرورة» لتنسيق جهود البلدان الإسلامية ضد الخطر الخارجي، والثانية إقامة «خلافة الاجتهاد الصحيحة» عندما يحين الوقت. ولتحقيق هاتين المرحلتين لا بد من بعض الشروط التي أولها إقامة علاقات حسنة بين العرب والأتراك، لأنهم يشكلون جميعًا دعامة