للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لم يكن الدين المحرك الوحيد لسياستها الخارجية، إذ أنها تحالفت كما تحاربت مع دول مسيحية؛ إلا أن الصراع مع المسيحية هو ما حرك لنجدتها أولئك المتطوعين من الشعوب الإسلامية الأخرى الذين ذابوا مع الزمن، في جسم الفئة العسكرية التركية. وكان دين السلاطين وجنودهم في البدء مشوبًا بتصوف الحروفيين والبكتاصيين المنحرف الذي استمر يطبع إسلام عامة الشعب التركي بطابعه الخاص. لكن تمسك هؤلاء بالسنة برز بروزًا أشد، بعد أن اتسعت الإمبراطورية، وخاصة بعد أن استولت على مراكز الدين السني في مصر وسوريا، وجابهها عداء الشيعة المتمركزين في دولة الصفويين في بلاد فارس. لكن تمسكها هذا إنما كان بالسنة كما وصلت إليها نتيجة لتطور الأمة الطويل بكامله، ولم يكن، بأي معنى من المعاني، محاولة للعودة بالدين إلى بساطته الأولى على عهد الخلفاء الأولين. وكانت الدولة ترعى المدارس الخاصة بتلقين العقائد السنية، وتنشئ مدارس جديدة في إسطنبول، كما كانت تختار عددًا وافرًا من الموظفين من بين المتخرجين منها. وكانت، إذ تراقب الطرق الصوفية، تشملها أيضًا بحمايتها، فتمد قادتها بمعونة مالية، وتحيط أقطابها الروحيين بإجلال خاص. فقد بقي قبر جلال الدين الرومي في قونيا محجًا للزائرين، وأقيم لابن العربي في دمشق قبر رائع. إنما يجب القول هنا بأن عقائد المذاهب الرسمية وعقائد الصوفية كانت قد تصالحت في ذلك الحين، بالرغم من الفروقات بينها، وأن عددًا من العلماء كانوا ينتسبون إذ ذاك إلى بعض هذه الطرق.

ومع أن السلطان كان، على غرار إمبراطور المغول في الهند، أعظم حكام السنة والمدافع عنها ضد شاه الفرس، فلم تقم أية محاولة (حتى أواخر القرن الثامن عشر) ترمي إلى اعتباره خليفة بالمعنى الذي عرف به خلفاء محمد المباشرين. فالعلامة سيد مرتضى الزابدي (١٧٣٢ - ١٨٩١)، الذي وضع شرحه لكتاب الغزالي «إحياء علوم الدين» في أواخر القرن الثامن عشر، لم يكن يشك

<<  <   >  >>