للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ماض أحدث، ولأن هذا الماضي الأحدث كان يمثل، في معظم أجزاء المنطقة، الاندماج في وحدات أوسع من القوميات، كالخلافة أو السلطنة العثمانية. إلا أن هذا النوع من القومية كان، على العموم، أضعف هنا مما كان عليه في أوروبا الغربية. وما ذلك إلا لأن الحدود كانت هنا أقل استقرارًا والكيانات السياسية أقل ثباتًا، ولأن الحياة الحضرية كانت، في كل مكان، ما عدا بعض المناطق المحظية، كوديان لبنان أو الساحل التونسي، أكثر تعرضًا لهجمات الأعداء.

أما النوع الثالث والأقوى من أنواع القومية، فهو القومية العنصرية أو اللغوية القائمة على الاعتقاد أن جميع الناطقين بلغة واحدة إنما ينتمون إلى أمة واحدة، وأن عليهم بالتالي أن يشكلوا وحدة سياسية مستقلة. وقد غدا هذا النوع، لحسن الحظ أو لسوئه، الفكرة السائدة في الشرق الأوسط، بحيث حل محل النوعين الآخرين، أو امتصهما. وعلى هذا، أصبحت الفكرة القائلة بأن جميع الناطقين بالضاد يكونون أمة واحدة وعليهم أن ينشؤوا دولة واحدة أو كتلة واحدة من الدول القوة السياسية العظمى في البلدان العربية، وإن لم تتجسد في كيان سياسي. غير أن الأفكار السياسية لا توجد غالبًا على النقاوة، بل تكون ممتزجة بغيرها، لا بل بأضدادها. ولا شك أن بروز فكرة القومية العربية بتلك القوة وذلك المنطق الظاهرين في كتابات ساطع الحصري كان أمرًا نادرًا. فقد كانت الفكرة العربية، لدى معظم المفكرين وفي برامج معظم الأحزاب السياسية والزعماء السياسيين، ممتزجة بأفكار مستمدة من نوعي القومية الآخرين. فكان اتصالها بفكرة الأمة الإسلامية وثيقًا، حتى أن قومية القوميين العرب المسيحيين أنفسهم لم تكن لتخلو من نوع من الانتماء المعنوي إلى الإسلام كحضارة، إن لم يكن كدين. كذلك كانت القومية اللغوية العربية، لدى معظم المفكرين الذين تناولناهم بالبحث سابقًا، ممتزجة بالقومية الإقليمية. فقد كانت القومية العربية، في هذه الحقبة، ذات أهمية بالغة في سوريا (نستعمل هنا مرة أخرى هذا

<<  <   >  >>