إذ أن الدولة الإسلامية لا ترتكز إلا إلى الدين المفسر تفسيرًا صحيحًا. وتعتبر نظرة الفاسي إلى الإسلام، على وجه العموم، كنظرة محمد عبده إليه. فالإسلام يجل العقل والحرية، ويشجع على التقدم، ويرفض جميع الوسطاء بين الإنسان والله. والإسلام يجب أن يكون قاعدة للتربية القومية الصحيحة وللنظام الشرعي الحديث. ثم إن الواجب أن يكون هناك «قانون مغربي إسلامي» مستمد من الشريعة ومن عادات المغرب في آن واحد، من شأنه أن يزيل التعدد الحالي في الأنظمة الفقهية المختلفة. وليس ما يمنع الإسلام من أن يكون قاعدة للحياة الاقتصادية أيضًا، إذ أن له نظرة خاصة في استخدام الملكية، يكفي تطبيقها حتى تتأمن العدالة ويتحرر الإنسان من «الاستعباد الاقتصادي»(٧٠).
ويطرح مالك بن نبي القضية بطريقة أخرى. وهو مفكر جزائري تثقف ثقافة فرنسية، وكان على شيء من قوة الإبداع. فعزا انحطاط الفكر والمجتمع الإسلاميين إلى انحطاط الإنسان المسلم، مؤكدًا أن الدين، بعد أن يكون في عهد نموه، «مولدًا للفضائل الإنسانية»، يصبح، في عهد انحطاطه، فرديًا أنانيًا يحول نظر المؤمنين عن المجتمع الإنساني. وبين مالك بن نبي أن العلامة الدالة على انحطاط الإسلام اليوم هي سيطرة أتباع الطرق الصوفية وبروز ذهنية عاجزة عن التفكير ومقعدة خلقيًا. ثم يقول إن مجيء أوروبا قد فسح المجال أمام المسلمين للتغلب على انحطاطهم، وذلك بتحطيمه نظامهم الاجتماعي الجامد، وتحريرهم من الاعتقاد بالقوى الخارقة والأوهام. لكن المدنية الغربية، وهي ذاتها في حالة انحطاط، لم تتمكن من مد المسلمين بالأساس الضروري للفضائل الاجتماعية، هذا الأساس الذي يفتقرون إليه اليوم والذي لن يعثروا به إلا بإعادة بناء عقيدة الإسلام الحقيقية في الإنسان (٧١).
وقد مال مالك بن نبي إلى الظن أن بوسع الإخوان المسلمين إمداد الإسلام بهذه العقيدة. إلا أن محمود مسعدي يترك هذه القضية